بـــــــــحـــــــر الأمــــــــــــــــــــل
السلام عليكم و رحمة الله
كـل عام و أنـتـم بـخـيـر
هذا الصندوق ليس للإزعاج بل هو للترحيب بكم
فإن كان يزعجكم اضغط على ( إخفاء ) ـ
و إن كان يهمكم أمر المنتدى فيسعدنا انضمامكم
بالضغط على ( التسجيل ) تظهر بيانات التسجيل البسيطة
و ننتظر مشاركتكم

يا ضيفنا.. لو جئتنا .. لوجدتنا *** نحن الضيوف .. و أنت رب المنزل ِ
كما نرجو الاحتفاظ برابط المنتدى التالى بالمفضلةfavorites

http://alamal.montadarabi.com
فإن أعجبك المنتدى فلا تتردد فى المشاركة
بـــــــــحـــــــر الأمــــــــــــــــــــل
السلام عليكم و رحمة الله
كـل عام و أنـتـم بـخـيـر
هذا الصندوق ليس للإزعاج بل هو للترحيب بكم
فإن كان يزعجكم اضغط على ( إخفاء ) ـ
و إن كان يهمكم أمر المنتدى فيسعدنا انضمامكم
بالضغط على ( التسجيل ) تظهر بيانات التسجيل البسيطة
و ننتظر مشاركتكم

يا ضيفنا.. لو جئتنا .. لوجدتنا *** نحن الضيوف .. و أنت رب المنزل ِ
كما نرجو الاحتفاظ برابط المنتدى التالى بالمفضلةfavorites

http://alamal.montadarabi.com
فإن أعجبك المنتدى فلا تتردد فى المشاركة
بـــــــــحـــــــر الأمــــــــــــــــــــل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


بـيـن الإبـحـار فـى الـثـقـافـة و حـب الله و رسـوله
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فيض العليم من معاني الذكر الحكيم

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود
مبحر جديد
مبحر جديد
عبد القادر الأسود


الساعة الآن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1
درجة النشاط : 4087
تاريخ التسجيل : 29/01/2013

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم    فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013 - 19:55


فَيْضُ العَليمِ مِنْ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيمِ



موسوعة القرآنية
تفسير ـ أسبابنزول ـ قراءات ـ أحكام ـ إعراب ـ تحليل لغة




اختيار وتأليف :
الشاعر: عبد القادر الأسود

خطبة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، ولا حول ولا قوّةَ إلا بالله العظيم. اللهم صلِّ على سيّدنا محمّد في الأولين، وصلِّ على سيّدنا محمّد في الآخرين، وصلِّ على سيّدنا محمد إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين بحقِّ قدرِهِ ومقداره العظيم، وبعد.
فهذه دُرَرٌ تصيّدتُها من تفاسير الأئمَّةِ الأعلامِ من كبار المفسرين المشهود لهم بسَعة العلم ودقّة الفهم والموثوق بدينهم وورعهم وتقواهم، وما كان لي فيها سوى أني تشوّفت إلى شرفٍ يَرفع إليه هذا الكتابُ الكريمُ مَن اشتغل به ونظر فيه، وإنما هو طيبٌ مَسَسْتُهُ تَطيُّباً بذاكي نَشْرِهِ، وفائدةٌ لي وللمؤمنين تشوّقتُ إليها.
ذلك أنّي نظرتُ في تفاسير هؤلاء السادة الكبار، فرأيتُ بعضَهم قد توسّع ما قد تَقصُرُ عنه هِمَمُ الضُعفاءِ، من أمثالي، وبعضَهم قد أوجز بحيث بِتنا نتطلّع إلى المزيد، فاعتمدتُ منهاجاً وسطاً بين الفريقين، تَطمئنُّ النفسُ إليه وترتاح به العين، فيروّي ظمأ طلبة العلم، والله الكريم أسأل أن يتقبّل مني هذا العمل ويجزل لي الثوابَ وأنْ ينفع به المؤمنين ويجعله لي خيراً جارياً إلى يوم الحساب، إكراماً لمن أَنزله عليه وشرّفه به وأمَّتَه، وأثنى فيه عليه فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}. وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد القادر الأسود
فضل القرآن الكريم وتلاوته:

القرآن الكريم هو كلامُ الله المنزل على رسوله محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ المتعَبَّد بتلاوته، والمنقول إلينا نقلا متواترًا .
وهو الكتابُ الْمُبِين الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجزةُ الخالدة الباقية المستمرة على تعاقبِ الأزمان والدهورِ إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.
وهو حبلُ الله المتينُ والصراطُ المستقيمُ والنورُ الهادي إلى الحقِّ وإلى الطريقِ المستقيم، فيه نبأُ ما قبلَكم وحكمُ ما بينكم وخيرُ ما بعدَكم، هو الفصلُ ليسَ بالهَزْل، مَن تَرَكَهُ من جبّارٍ قصَمَه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، مَن قال به صدق، ومن حَكَم به عَدَل، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراطٍ مستقيم.
وهو وثيقة النبوَّة الخاتمة، ولسانُ الدين الحنيف، وقانونُ الشريعةِ الإسلاميّة، وقاموسُ اللّغة العربيّة، هو قدوتُنا وإمامُنا في حياتنا، به نهتدي، وإليه نحتكمُ، وبأوامرِه ونواهيه نَعملُ، وعند حدودِه نقف ونلتزم، وسعادتنا في سلوكِ سُننه واتّباعِ مِنهجِه، وشقاوتُنا في تَنَكُّبِ طريقِه والبُعد عن تعاليمه.
وهو رباطٌ بين السماء والأرضِ، وعهدٌ بين الله وبين عباده، وهو منهاجُ اللهِ الخالد، وميثاقُ السماء الصالحُ لكلِّ زمان ومكان، وهو أشرفُ الكتب السماويّة، وأعظمُ وحيٍ نَزَل من السماء.
ولقد رفع اللهُ شأنَ القرآنِ ونوَّهَ بعلوِّ منزلتِه فقال سبحانه: {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى}1، ووصفه ـ سبحانه وتعالى ـ بعدّة أوصاف مبيّنًا فيها خصائصَه التي مَيَّزَه بها عن سائرِ الكتب فقال {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}2
وقال أيضًا{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}3.
وقد بين لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن الإنسان بقدر ما يحفظ من آي القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في دَرَجِ الجنة، وذلك فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ ورتِّلْ كما كنت ترتِّل في دار الدنيا فإن منزلتَك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها))4.
كما وضح لنا صلى الله عليه وآله وسلم أن قراءة القرآن يطيب بها الْمَخْبَرُ والْمَظْهر فيكون المؤمن القارئ للقرآن طيبَ الباطن والظاهر، إن خبرت باطنه وجدته صافيًا نقيًّا، وإن شاهدت سلوكَه وجدتَه حسَنًا طيّبًا.
فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأَتْرُجَّةِ: ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحَانَةِ: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: لا ريح لها وطعمها مر))5.
ويخبرنا عبد الله بن مسعود أن من أحب القرآن يحبه الله ورسوله فيقول: (من أحب أن يحبه الله ورسوله فلينظر: فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله)6.
وإن من أجلِّ العبادات وأعظم القربات إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ تلاوة القرآن الكريم ، فقد أمر بها سبحانه وتعالى في قوله:{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} 7، كما أمر بها النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما رواه أبو أمامة ـ رضي الله عنه ـ حيث قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: ((اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)) 8.
وقد أخبر ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بما أعدَّه الله لقارئ القرآن الكريم من أجرٍ كبير، وثواب عظيم وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول "الم" حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)) 9.
كما بين صلوات الله وسلامه عليه أن من جوَّد القرآن وأحسن قراءته، وصار متقنًا له ماهرًا به عاملا بأحكامه فإنه في مرتبة الملائكة
المقربين، وذلك فيما روته أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شاقٌ له أجران)) 10.
كما أن الله ـ عز وجل ـ يوضح لنا في محكم كتابه أن الذين يداومون على تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ويعملون بأحكامه، ويحذرون مخالفته أولئك يوفيهم الله ما يستحقونه من الثواب ويضاعف لهم الأجر من فضله.
يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} 11.
والرسول ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ يبين لنا أن خير َالناس وأفضلهم الذي يشتغل بتعلُّم القرآن الكريم أو تعليمه وذلك فيما ثبت عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) 12.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الذي ليس في جَوْفِهِ شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ))13.
...................................................................
1 ـ سورة طه: 4.
2 ـ سورة المائدة: 15، 16.
3 ـ سورة النحل: 89.
4 ـ رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 192"، وإسناده حسن، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
5 ـ أخرجه البخاري "9/ 58" في فضائل القرآن، ومسلم رقم : 797، باب فضيلة حافظ القرآن، والترمذي 2869، باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ، وأبو داود 4830، والنسائي "8/ 124، 125"، وابن ماجه 214، انظر جامع الأصول "ج: 2، ص453".
6 ـ قال الهيثمي في مجمع الزوائد "ج: 7، ص165" باب فضل القرآن، رواه الطبراني ورجاله ثقات.
7 ـ سورة النحل: 89.
8 ـ رواه الترمذي، رقم: 2915 في ثواب القرآن، وأبو داود رقم: 1464 في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة، ورواه أيضًا أحمد في المسند " 2/ 192 " وإسناده حسن ، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص502".
9 ـ سورة المزمل: 20.
10 ـ جزء من حديث ، أخرجه مسلم في باب: فضل قراءة القرآن.
11 ـ سورة فاطر: 29، 30.
12ـ أخرجه البخاري في فضائل القرآن " 9 / 66، 67"، وأبو داود رقم
1452، باب ثواب قراءة القرآن ، والترمذي رقم 2909، 2910 في ثواب القرآن ، انظر جامع الأصول "ج: 8، ص508.
13 ـ أخرجه الترمذي ح رقم 2914 في ثواب القرآن، ورواه أيضًا أحمد في المسند رقم 1947، ورواه الحاكم "1/ 554" وصححه .


آدابُ التلاوة

لتلاوة القرآن الكريم آدابٌ كثيرة وعديدة ينبغي على قارئ القرآن أن يتأدب بها وهي:
1 ـ أن ينوي العبادة والتقرب إلى الله تعالى بتلاوة قرآنه، وتطبيق ما يرد فيه من أحكام.
2- أن يستقبل القبلة ما أمكنه ذلك.
3- أن يَسْتَاكَ تطهيرًا وتعظيمًا للقرآن.
4- أن يكون طاهرًا من الحدثين.
5- أن يكون نظيف الثوب والبدن.
6- أن يقرأ في خشوع وتفكر وتدبر.
7- أن يكون قلبُه حاضرًا؛ فيتأثر بما يقرأ تاركًا حديث النفس وأهواءها.
8- يستحب له أن يبكي مع القراءة فإن لم يبكِ يتباكى.
9- أن يزين قراءته ويُحَسِّنَ صوتَه بها، وإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج به إلى حد التمطيط.
10- أن يتأدب عند تلاوة القرآن الكريم، فلا يضحك، ولا يعبث ولا ينظر إلى ما يلهي بل يتدبر ويتذكر كما قال سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}.
كما أن على سامع القرآن الكريم أن يقبل عليه بقلب خاشع
ويتفكر في معانيه، ويتدبر في آياته، ويتعظ بما فيه من حكم ومواعظ، وأن يحسن الاستماع والإنصات لما يتلى من قرآن حتى يفرغ القارئ من قراءته، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
















كيفيةُ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ:

لقد شرع الله ـ سبحانه وتعالى ـ لقراءة القرآن صفة معينة وكيفية ثابتة، قد أمر بها نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}، أي اقرأه بتؤدة وطمأنينة وتدبر، وذلك برياضة اللسان، والمداومة على القراءة بترقيق المرقق وتفخيم المفخم وقَصْرِ المقصور ومدِّ الممدود وإظهارِ المُظهَر وإدغامِ المُدغَم وإخفاءِ المَخفيِّ وغَنِّ الحرف الذي فيه غُنّة وإخراجُ الحروف من مخارجها، وعدم الخلط بينها، كل ذلك دون تكلُّف أو تمطيط.
ولقد أكد الله ـ عز وجل ـ الفعل وهو "رتِّل" بالمصدر وهو "ترتيلا" تعظيمًا لشأنه واهتمامًا بأمره.
كما قال سبحانه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} أي لتقرأه على الناس بترَسُّلٍ وتمهُّل فإن ذلك أقرب إلى الفَهمِ وأسهل للحفظ، والواقع أن هذه الصفة لا تتحقق إلا بالمحافظة على أحكام التجويد المستمدة من قراءة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم والتي ثبتت عنه بالتواتر والأحاديث الصحيحة، فلقد ثبت أن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال : "كانت قراءته مدًّا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمدُّ بـ "بسم الله، ويمدُّ بـ الرحمن، ويمدُّ بـ الرحيم"1.
وقد نقلت إلينا هذه الصفة بأعلى درجات الرواية وهي المشافهة
حيث يتلقى القارئ عن المقرئ، والمقرئ قد تلقاه عن شيخه، وشيخه عن شيخه وهكذا حتى تنتهي السلسلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المؤكد أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد علَّم أصحابه القرآن الكريم كما تلقَّاه عن أمين الوحي جبريل ـ عليه السلام ـ ولقَّنهم إيّاه بنفس الصفة، وحثّهم على تعلُّمها والقراءةِ بها، فلقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سمع عبد الله بن مسعود يقرأ في صلاته فقال:
"من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عَبْدٍ"2.
ولعل المقصد ـ والله أعلم ـ أن يقرأه على الصفة التي قرأ بها عبد الله بن مسعود من حسن الصوت وجودة الترتيل ودقة الأداء.
ولقد خصَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نفراً من الصحابة أتقنوا القراءة حتى صاروا أعلامًا فيها منهم: أُبَي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وغيرهم. فكان ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يتعاهدهم بالاستماع لهم أحيانًا، وبإسماعهم القراءة أحيانا أخرى كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.
فلقد ثبت عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأبيّ بن كعب: ((إنّ الله أمرني أن أقرأ
عليك)) قال: آلله سَمَّاني لك؟ قال: ((الله سمَّاك لي)) قال أنس: فجعل أُبيّ يبكي" 3.
كما ثبت عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((اقرأ علي القرآن)) قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أحِبُّ أن أسمعه من غيري)) فافتتحت سورة النساء فلما بلغتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}4, قال: ((حسبُك)). فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان"5.
ويحتمل أن يكون الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد أحب أن يسمعه من غيره؛ ليكون عرض القرآن سنة يحتذى بها، كما يحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك لأن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها6.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم آمرًا الناس بتعلم قراءة القرآن وبتحري الإتقان فيها، بتلقيها عن المتقنين الماهرين: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب)) 7.
وكلُّ هذا يدلُّ على أنّ هناك صفةٌ معيّنة، وكيفيّة ثابتة لقراءة القرآن لا بد من تحقيقها، وهي الصفة المأخوذة عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبها أنزل القرآن، فمن خالفها أو أهملها فقد خالف السنة وقرأ القرآن بغير ما أنزل الله. وصفة القراءة هذه هي التي اصطلحوا على تسميتها بعد ذلك بالتجويد.
...................................................................

1 ـ أخرجه البخاري، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري "ج: 9، ص91، كتاب فضائل القرآن .
2 ـ رواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه عاصم بن أبي النجود وهو على ضعفه حسن الحديث، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، ورجال الطبراني رجال الصحيح، انظر مجمع الزوائد للهيثمي "ج: 9، ص287..
3 ـ رواه مسلم في باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل ج: 2 ص 195 .
4 ـ النساء: الآية: 41.
5 ـ أخرجه البخاري ، في باب : من أحب أن يستمع القرآن من غيره ، ح رقم 5049 وله فيه ألفاظٌ أخرى، كما رواه مسلم في باب : فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع، "ج: 2، ص195".
6 ـ انظر فتح الباري "ج: 9، ص94".
7 ـ أخرجه البخاري في باب: القرَّاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ح رقم 4999، "ج: 9، ص46".








أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

أمرَ الله تعالى بالاستعاذة عند أوّلِ كلِّ قراءة فَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ}. أَيْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقْرَأَ، فَأَوْقَعَ الْمَاضِيَ مَوْقِعَ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي لَآتِيكُمْ لِذِكْرِي الَّذِي مَضَى .... مِنَ الْوُدِّ وَاسْتِئْنَافِ مَا كَانَ فِي غَدِ
أَرَادَ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَأَنَّ كُلَّ فِعْلَيْنِ تَقَارَبَا فِي الْمَعْنَى جَازَ تَقْدِيمُ أَيِّهِمَا شِئْتَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى} المعنى فتدلى ثم دنا، ومثله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} وَهُوَ كَثِيرٌ.
وهَذَا الْأَمْرُ عَلَى النَّدْبِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي كُلِّ قِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الصَّلَاةِ. حَكَى النَّقَّاشُ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ وَاجِبَةٌ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَقَوْمٌ يَتَعَوَّذُونَ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ رَكْعَةٍ، وَيَمْتَثِلُونَ أَمْرَ اللَّهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَتَعَوَّذَانِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ وَيَرَيَانِ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا كَقِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَالِكٌ لَا يَرَى التَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَيَرَاهُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ. وقد أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّعَوُّذَ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا آيَةً مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَارِئِ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ العلماء في التعوّذِ. ويجوز فيها الإسرارُ والإعلان. أمّا في مجالس القرآن فإنّها تقرأ في البدء، ولا يكون بعدها ثمّةَ حاجةٌ لترديدها من باقي القراء، إلاّ إذا كان هناك فاصل من حديث في أمر الدنيا. أمّا إذا كان الحديثُ متعلِّقاً بالتلاوة، كبيان حكمٍ أو تصحيح تلاوةٍ، فإنه يتعوَّذُ سِرّاً عند المتابعة.
ويحمل هذا الأمر"بالتعوذ "على النَدْبِ في كلِّ قراءة في غير الصلاة. واختلفوا في التعوُّذِ أثناء الصلاة. فمنهم من قال إنها واجبة. وتعوَّذَ الإمامان الجليلان أبو حنيفةَ النعمان والشافعي ـ رحمهما الله ـ في الركعة الأولى وحسب، لأن قراءةَ الصلاة كلَّها واحدةٌ عندهما؛ بينما رأى الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ أنْ لا تعوُّذَ في الصلاة المفروضة وإنّما في صلاة قيام رمضان فقط.
وقد أجمع العلماء على أنّ التعوُّذَ ليس من القرآن ولا آية منه، وأنّ لفظه هو كما جاء في كتاب الله تعالى.
رُوي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال: قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم: ((يا بنَ أمِّ عبْدٍ، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم)).
وجاء في فضل التعوُّذِ: أنَّ رجلان اسْتَبّا عند النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل أحدُهما يَغضَبُ ويحمَرُّ وجهُهُ وتَنتفخُ أوداجُه؛ فنظرَ إليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ((إني لأَعلمُ كلمةً لو قالها لَذَهبَ ذا عنه، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ..)) أخرجه البخاري.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن الشيطان قد حلا بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يُلْبِّسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ ـ قطعة لحم منتنة ـ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فتعوذ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا" قَالَ: فَفَعَلْتُ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
ورُويَ عن ابنِ عمرَ رضيَ الله عنهما أنّه قال:كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا سافر فأقبل عليه الليلُ قال:
((يا أرضُ ربّي وربُّك اللهُ، أعوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ ومِنْ شَرِّ ما خُلِقَ فيك، ومِن شَرِّ ما يَدبُّ عليك، ومِنْ أَسَدٍ وأَسْود، ومِن الحيّةِ والعقربِ ومِن ساكنيِّ البَلَدِ ووالدٍ وما ولد)).
ورَوتْ خولةُ بنتُ حكيمٍ قالت: سمعتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ((ما نَزَل منزلاً ثم قال أعوذُ بكلمات اللهِ التامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لم يَضُرُّهُ شيءٌ حتّى يرتحل)). أخرجه مسلمٌ والتِرمِذيُّ ومالكٌ في الموطَّأِ.
أما في معناها فإنها في كلام: الاستجارةُ والتحيّزُ إلى الشيء امتناعاً به من مكروه يخشى؛ يُقال: عُذتُ بفلان واستعذت به؛ أي لجأت إليه. وهو عياذي، أي ملجئي. وأَعذتُ غيري به وعوَّذتُه بمعنى. قَالَ الرَّاجِزُ:
قَالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وَذُعْرُ ...................... عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُمْ وَحُجْرُ
وَالْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ الْأَمْرِ تُنْكِرُهُ: حُجْرًا لَهُ (بِالضَّمِّ) أَيْ دَفْعًا، وَهُوَ
اسْتِعَاذَةٌ مِنَ الْأَمْرِ. وَالْعَوْذَةُ وَالْمُعَاذَةُ وَالتَّعْوِيذُ كُلُّهُ بِمَعْنًى. واصل أَعْوُذُ
نُقِلَتِ الضَّمَّةُ إِلَى الْعَيْنِ لِاسْتِثْقَالِهَا عَلَى الواو فسكنت.
والشيطانُ واحدُ الشياطين؛ على التكسير، والنون أصلية، لأنّ الشيطان من فعل شَطَنَ إذا بَعُدَ عن الخير. وشَطَنَتْ دارُه "كشطّت" أي بَعُدت؛ قال النابغة الذبياني:
نَأْتِ بِسُعَادَ عَنْكَ نَوًى شَطُونُ ............... فَبَانَتْ وَالْفُؤَادُ بِهَا رَهِين
وبئرٌ شَطونٌ أي بعيدةُ القَعْر. والشَطنُ: الحبْلُ، أيضاً؛ سمّيَ بذلك لبُعدِ طَرَفيْه وامتدادِه. وسمّي الشيطانُ شيطاناً لبُعدِه عن الحقِّ وتمرُّده؛ وكلُّ عاتٍ متمرِّدٍ، من الجِنِّ والإنسِ والدوابِّ شيطان. والعرب تقول: تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين. قَالَ جَرِيرٌ:
أَيَّامَ يَدْعُونَنِي الشَّيْطَانَ مِنْ غَزَلٍ ......... وَهُنَّ يَهْوَيْنَنِي إِذْ كُنْتُ شَيْطَانَا
وَقِيلَ: إِنَّ شَيْطَانًا مَأْخُوذٌ مِنْ شَاطَ يشيط إذا هلك، فالنون زَائِدَةٌ. وَشَاطَ إِذَا احْتَرَقَ. وَشَيَّطَتِ اللَّحْمَ إِذَا دخَّنَتْهُ ولم تنصحه. وَاشْتَاطَ الرَّجُلُ إِذَا احْتَدَّ غَضَبًا. وَنَاقَةٌ مِشْيَاطٌ الَّتِي يَطِيرُ فِيهَا السِّمَنُ. وَاشْتَاطَ إِذَا هَلَكَ، قال الأعشى:
قد نضخب الْعِيرَ مِنْ مَكْنُونِ فَائِلِهُ ..... وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا الْبَطَلُ
الفائل: عرق في الفخذين يكون في خربة الورك ينحدر في الرجلين.وقد يشيطُ أَيْ يَهْلَكُ. وَيَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْفِرْقَةِ أَنَّ سِيبَوَيْهِ حَكَى أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: تَشَيْطَنَ فُلَانٌ إِذَا فَعَلَ أَفْعَالَ الشَّيَاطِينِ، فَهَذَا بين إنه تفعيل مِنْ شَطَنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ شَاطَ لَقَالُوا: تَشَيَّطَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا بَيْتُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
أَيُّمَا شَاطِنٍ عَصَاهُ عَكَاهُ .................. وَرَمَاهُ فِي السِّجْنِ وَالْأَغْلَالِ
عَكاهُ في الحديدِ والوثاق إذا شدّه. فَهَذَا شَاطِنٌ مِنْ شَطَنَ لا شك فيه.
والرَجيمُ أي المبعَدُ من الخيرِ المُهانُ. وأصلُ الرجمِ: الرميُ بالحجارة وقد رَجمتُه أرجمُه، فهو رجيم ومرجوم. والرجم: القتلُ، واللّعنُ، والطردُ، والشتم أيضاً. وَقَدْ قِيلَ هَذَا كُلُّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}. وَقَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ".
رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّفَا وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى شَخْصٍ فِي صُورَةِ الْفِيلِ وَهُوَ يَلْعَنُهُ، قُلْتُ: وَمَنْ هَذَا الَّذِي تَلْعَنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((هَذَا الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ: وَاللَّهِ لِأَقْتُلَنَّكَ وَلَأُرِيحَنَّ الْأُمَّةَ مِنْكَ، قَالَ: مَا هَذَا جَزَائِي مِنْكَ، قُلْتُ: وَمَا جَزَاؤُكَ مِنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْغَضَكَ أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا شَرِكْتُ أَبَاهُ فِي رَحِمِ أمه)). والشيطان: إبليسُ ـ لَعَنَهُ الله ـ والرجيمُ: المرجوم المبعد المطرودُ مِن كلِّ رحمةٍ وخير.





بسم الله الرحمن الرحيم

قال بعضُ العلماءِ: هو قَسَمٌ من ربِّنا ـ تبارك وتعالى ـ أَنزلَه أَوَّلَ كلِّ سورةٍ، ليُقسم لعبادِه بأنَّ هذا الذي وضعتُ لكم في هذه السورةِ حقٌّ، وإنّي أَفي لكم بجميعِ ما ضَمِنتُ في هذه السُورةِ من وعْدي ولُطفي وبِرّي.
وقال آخرون: إنها تَضَمَّنتْ جميعَ الشرع، لأنها تَدُلُّ على الذات العليَّةِ وعلى الصفات السنيّة.
وهي عند الشافعيِّ الآيةُ الأُولى من سورة الفاتحة وَتَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ السُّوَرِ، فَمَرَّةً قَالَ: هِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَمَرَّةٍ قَالَ: لَيْسَتْ بِآيَةٍ إِلَّا فِي الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا. وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا قَرَأْتُمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَاقْرَءؤوا "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ والسبع المثاني و"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" أحدُ آياتها)).
ونُجمِلُ أدِلَّةَ السادةِ الشافعيّةِ رضي الله عنهم على أنّ "بسم الله الرحمن الرحيم" آيةٌ من سورة الفاتحةبالآتي:
روى الشافعيُّ رضي الله عنه عن ابن جريج عن أبي مُليكة عن أمِّ سلمةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فعدَّ "بسم الله الرحمن الرحيم" آيةً: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} آية: {الرحمن الرحيم} آية: {مالك يَوْمِ الدين} آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} آية: {اهدنا الصراط المستقيم} آية: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين} آية." وهذا نص صريح.
الحجة الثانية: روى سعيدٌ المقبريِّ عن أبيه عن أبي هريرةرضي الله عنه: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فاتحةُ الكتابِ سبعُ آياتٍ أُولاهُنَّ بسم الله الرحمن الرحيم)).
الحجة الثالثة: روى الثعلبيُّ بإسناده عن أبي بُردةَ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟)) فقلت بلى. قال: ((بأي شيءٍ تَستفتحُ القرآنَ إذا افتتحتَ الصلاةَ؟)). فقلتُ: "بسم الله الرحمن الرحيم" قال: ((هيَ هي)).
الحُجّة الرابعةُ: روى الثعلبيُّ أيضاً بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: ((كيف تقول إذا قمتَ إلى الصلاة؟)). قال: أقول الحمد لله ربِّ العالمين قال: ((قلْ: "بسم الله الرحمن الرحيم" وروى أيضاً بإسناده عن أمّ سلمة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم". الحمد لله رب العالمين..". وروى أيضاً بإسناده عن عليٍّ كرّمَ الله تعالى وجهَه: "أنّه كان إذا افتتح السورةَ في الصلاةِ يقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" وكان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص". وروى أيضاً بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني والقرءان العظيم} الحجر: 7 8 قال: فاتحة الكتاب فقيل لابن عباس فأين السابعة فقال: "بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم" وبإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قرأتم أمَّ القرآن فلا تدعوا "بسم الله الرحمن الرحيم" فإنَّها إحدى آياتها)). وبإسنادِه أيضاً عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: قال: ((يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: "بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم". قال الله تعالى: مَجَّدني عبدي. وإذا قال: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين. قال الله: حَمَدني عَبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى عليَّ عبدي. فإذا قال: مالِكِ يومِ الدين. قال الله تعالى: فوَّضَ إليَّ عبدي. وإذا قال: إيّاك نعبُد وإيّاك نستعين. قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي. وإذا قال: اهدنا الصراطَ المستقيم. قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)). وبإسناده أيضاً عن أبي هريرة قال: كنتُ مع النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّم في المسجد والنبي يحدّث أصحابَه، إذا دَخَلَ رجلٌ يُصلّي فافتتح الصلاةَ وتعوّذَ ثم قال: الحمد لله رب العالمين، فسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ذلك فقال له: يا رجلُ قطعتَ على نفسِكَ الصلاةَ أما عَلِمْتَ أنَّ "بسم الله الرحمن الرحيم" من الحمدُ، فمَنْ ترَكَها فقد ترك آيةً منها، ومن ترك آيةً منها فقد قطع عليه صلاتَه فإنّه لا صلاةَ إلّا بها، فمن ترك آيةً منها فقد بَطلت صلاتُه)). وبإسنادِه عن طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ترك "بسم الله الرحمن الرحيم" فقد ترك آية من كتاب الله)).
الحجة الخامسة: قراءةُ "بسم الله الرحمن الرحيم" واجبةٌ في أوّل الفاتحةِ وإذا كان كذلك وَجَبَ أنْ تكونَ آيةً منها. بيان الأول: {اقرأ باسم رَبّكَ} العلق: 1 ولا يجوز أن يُقالَ الباءُ صِلَةٌ لأنَّ الأصلَ أنْ تكونَ لكلِّ حرفٍ من كلامِ اللهِ تعالى فائدةٌ، وإذا كان الحرفُ مفيداً كان التقديرُ: اقرأْ مفتتحاً باسمِ ربِّك، وظاهرُ الأمرِ الوُجوبُ ولمْ يَثْبتْ في غيرِ القراءةِ للصلاةِ، فوَجَبَ إثباتُه في القراءة فيها صوناً للنصِّ عن التعطيل.
الحجة السادسة: التسميةُ مكتوبةٌ بخطِّ القرآنِ وكلُّ ما ليس من القرآن فإنّه غيرُ مكتوبٍ بخطِّ القرآنِ، ألا ترى أنّهم منعوا كتابةَ أسامي السورِ في المُصحف ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس؟ والغرضُ من ذلك كلِّه أنْ يمنعوا أنْ يختلِطَ بالقرآنِ ما ليس بقرآن، فلو لم تكن التسميةُ من القرآن لما كتبوها بخطِّ القرآن.
الحجة السابعة: أجمعَ المسلمون على أنّ ما بين الدُّفتين كلامُ الله تعالى والبسملةُ موجودةٌ بينهما فوَجَبَ جعلُّها منه.
الحجة الثامنة: أَطْبَقُ الأكثرون على أنَّ الفاتحةَ سبعُ آيات ٍإلّا أنَّ الشافعيَّ قال: "بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم" آيةٌ وأبو حنيفةَ قال: إنّها ليست آيةً، لَكِنِ {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، وسنبيّن أنّ قولَه مرجوحٌ ضعيفٌ. فحينئذٍ يَبقى أنَّ الآياتِ لا تكون سبعاً إلّا بجعل
البسملةِ آيةً تامّةً منها.
الحجة التاسعة: أنْ نقولَ قراءةُ التسميةِ قبلَ الفاتحةِ واجبةٌ فوَجَبَ كونُها آيةً منها، بيانُ الأوّلِ أنّ أبا حنيفةَ رضي الله عنه يُسَلِّمُ أنَّ قراءتَها أفضلُ، وإذا كان كذلك فالظاهرُ أنّه صلى الله عليه وسلم قرأها، فوَجَبَ أنْ يَجِبَ علينا قراءتُها لقوله تعالى: {واتبعوه} الأعراف: 8 15 وإذا ثَبَتَ الوُجوبُ ثَبَتَ أنّها من السورةِ لأنّه لا قائلَ بالفرقِ، وقولُه عليه الصلاة والسلام: ((كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بِسمِ اللهِ فهو أَبْتَرُ)). وأعظم ُالأعمالِ بعدَ الإيمانِ الصلاةُ فقراءةُ الفاتحةِ بدون قراءتِها تُوجِبُ كونَ الصلاةِ عملاً أَبْتَرَ ولفظُه يَدُلُّ على غايةِ النُقصان والخللِ، بدليلِ أنّه ذَكرَ ذَمّاً للكافرِ الشانِئِ فوَجَبَ أنْ يُقالَ للصلاةِ الخاليةِ عنها في غاية النُقصانِ والخَلَلِ، وكلُّ مَنْ أَقَرَّ بذلك قال بالفَسادِ وهو يَدُلُّ على أنّها من الفاتحة.
الحجة العاشرة: ما رُويَ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّمَ قال لأُبَيٍّ بنِ كعبٍ: ((ما أعظمُ آيةٍ في القرآن؟)). قال: "بسم الله الرحمن الرحيم" فصدّقَه النبيُّ في قولِه. ووجه الاستدلالِ أنَّ هذا يدُلُّ على أنّ هذا المِقدارَ آيةٌ تامّةٌ، ومعلومٌ أنّها ليست بتامّةٍ في سورة النملِ، فلا بُدَّ أنْ تكونَ في غيرِها وليس إلّا الفاتحة.
الحجَّةُ الحاديةَ عَشْرَةَ: عن أنسٍ أنَّ معاويةَ رضي الله عنهما قدِمَ المدينةَ فصلّى بالناسِ صلاةً جهريَّةً فقرأ أمَّ القرآنِ ولم يقرأ البسملةَ، فلمّا قضى صلاتَه ناداه المُهاجرون والأنصارُ مِن كلِّ ناحيةٍ أَنسيتَ، أين "بسم الله الرحمن الرحيم" حين استفتحتَ القرآن؟! فأعاد معاويةُ الصلاةَ وجَهَرَ بها.
الحجَّة الثانيةَ عَشْرةَ: أنّ سائرَ الأنبياءِ كانوا عند الشروعِ في أعمالِ الخيرِ يبتدئون باسم اللهِ، فقد قال نوح: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا}. هود: 1 4. وسليمان: {"بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم" أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ}. النمل: 30 و 31. فوَجَبَ أنْ يَجِبَ على رسولِنا ذلك لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِهْ} الأنعام: 0 9. وإذا ثبت ذلك في حقِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ثَبَتَ أيضاً في حقّنا لقوله تعالى: {واتّبعوه} الأعراف: 158. وإذا ثبت في حقِّنا ثَبَتَ أنّها آيةٌ من سورة الفاتحة.
الحُجّةُ الثالثةَ عَشْرَةَ: أنّه تعالى قديمٌ والغَيْرُ مُحْدَثٌ فوجب بحكمِ المُناسبةِ العقليَّةِ أنْ يكون ذِكرُه سابقاً على ذِكرِ غيرِه، والسَبْقُ في الذِكْرِ لا يَحْصُلُ إلّا إذا كانت قراءةُ البَسْمَلَةِ سابقةً، وإذا ثَبَتَ أنّ القولَ بوُجوبِ هذا التقديم، فما رآه المؤمنون حَسَنًا فهو عند اللهِ حَسَنٌ وإذا ثَبَتَ وُجوبُ القراءةِ ثَبَتَ أنّها آيةٌ من الفاتحةِ لأنّه لا قائلَ بالفرق.
الحُجَّةُ الرابعةَ عَشْرَةَ: إنّه لا شكّ أنّها من القرآن في سورةِ النملِ ثمّ إنّا نَراهُ مُكرّراً بِخَطِّ القُرآنِ فوَجَبَ أنْ يكونَ من القرآن، كما أنّا لمّا رأينا قولَه تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} المراسَلات: 5 1. و{فَبِأَيِّ ءالاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} الرحمن: 3 1. مكرَّراً كذلك قلنا: إنّ الكُلَّ منه.
الحُجَّةُ الخامسةَ عَشْرَةَ: رُويَ أنّه عليه الصلاةُ والسلامُ كان
يكتُبُ "باسمِكَ اللهم" الحديث وهو يدلّ على أنَّ أجزاءَ هذه الكلمةِ كلَّها من القرآن، مجموعُها منه، وهو مُثْبَتٌ فيه. فوَجَبَ الجَزْمُ بأنّه من القرآن إذْ لو جاز إخراجُه مع هذه المُوجباتِ والشُهْرةِ لَكان جوازُ إخراجِ سائرِ الآياتِ أَوْلى، وذلك يُوجِبُ الطعنَ في القرآن العظيم.
بينما لم يعدّها الإمامُ مالكٌ كذلك، لأنَّ القرآنَ لا يَثبُت بأخبار الآحادِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ التَّوَاتُرُ الْقَطْعِيُّ الَّذِي لَا يُخْتَلَفُ فيه. ويكفيك أنّها لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهَا، وَالْقُرْآنُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ. وَالْأَخْبَارُ الصِّحَاحُ الَّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا إِلَّا فِي النَّمْلِ وَحْدَهَا. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي ما سأل فإذا قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حمدني عبدي وإذا قال العبد: "الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عبدي. وإذا قال العبد: "مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ". قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مرة فوّض إِلَي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)). فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ" يُرِيدُ الْفَاتِحَةَ، وَسَمَّاهَا صَلَاةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا، فَجَعَلَ الثَّلَاثَ الْآيَاتِ الْأُوَلَ لِنَفْسِهِ، وَاخْتَصَّ بِهَا تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهَا، ثُمَّ الْآيَةَ الرَّابِعَةَ جَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ تَذَلُّلَ الْعَبْدِ وَطَلَبَ الِاسْتِعَانَةِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ ثَلَاثَ آيات تتمة سبع ءايات. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثٌ قَوْلُهُ: "هَؤُلَاءِ لِعَبْدِي" أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَلَمْ يَقُلْ: هَاتَانِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ "أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" آيَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: "أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" آيَةٌ، ثُمَّ الْآيَةُ السَّابِعَةُ إِلَى آخِرِهَا. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ الَّتِي قَسَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُبَيٍّ: ((كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟)) قَالَ: فَقَرَأْتُ "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا. فدلّ على أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْهَا، وَكَذَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَدُّوا "أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" آيَةً، وَكَذَا رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْآيَةُ السَّادِسَةُ "أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ". وَأَمَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا فِيهَا "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" وَلَمْ يَعْدُّوا "أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ". فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهَا ثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَفِ وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّهِ وَنُقِلَتْ، كَمَا نُقِلَتْ فِي النَّمْلِ، وَذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ قلنا: مَا ذَكَرْتُمُوهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لِكَوْنِهَا قُرْآنًا، أَوْ لِكَوْنِهَا فَاصِلَةً بَيْنَ السُّوَرِ.كَمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ: كُنَّا لَا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
أَوْ تَبَرُّكًا بِهَا. كما قد اتفقت الأمّة على كتابتها فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ؟ كُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ. وَقَدْ قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" قَالَ: فِي صُدُورِ الرَّسَائِلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: لَمْ تَنْزِلْ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" في شيء مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي "طس": "إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". وَالْفَيْصَلُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُثْبَتُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَإِنَّمَا يُثْبَتُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ الْقَطْعِيِّ. ثُمَّ قَدِ اضْطَرَبَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا كما سبق أن بيّنا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ كل سورة. فإنْ قيل: فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ قُرْآنِيَّتَهَا، وَقَدْ تَوَلَّى الدَّارَقُطْنِيُّ جَمْعَ ذَلِكَ فِي جُزْءٍ صَحَّحَهُ. أُجيبَ: لَسْنَا نُنْكِرُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهَا، وَلَنَا أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ فِي مُقَابَلَتِهَا، رَوَاهَا الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ وَالْفُقَهَاءُ الْأَثْبَاتُ. من ذلك ما رَوَتْ أمُّ المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَدِيثَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فكانوا يستفتحون بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لَا يَذْكُرُونَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" لا في أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا. وَكذَلِكَ فإنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ انْقَضَتْ عَلَيْهِ الْعُصُورُ، وَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْأَزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ، مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَانِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ فِيهِ قَطُّ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" وذلك اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ المطهّرة. بَيْدَ أَنَّه اسْتَحَبُّوا قِرَاءَتَهَا فِي النَّفْلِ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الآثار الواردة في قراءتها أولاً عَلَى السَّعَةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا فِي النَّافِلَةِ وَمَنْ
يعرض القرآن عرضًا.
واتّفقَ العلماءُ على أنّها بعضُ آيةٍ من سورَةِ النملِ، فهي عند عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ آيةً مُستقلَّةً في أوَّلِ كلِّ سورةٍ، ما عَدا سورةِ التوبة "براءة" ذلك لأنّ بدايتَها تَبرُّؤُ الله ـ تباركت أسماؤه ـ من المشركين والمنافقين وتقريعٌ لهم ووعيدٌ، وهو أمرٌ فيه من اسمِه الجبار والمنتقم والشديد، و ليس فيه من اسمِه الرحمن الرحيم. وحجة ابن المبارك مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((نَزَلَتْ عَلِيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ": إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا يَقْرَأُ بِهَا الْمُصَلِّي فِي الْمَكْتُوبَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي النَّوَافِلِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا تُقْرَأُ أول السور فِي النَّوَافِلِ، وَلَا تُقْرَأُ أَوَّلَ أُمِّ الْقُرْآنِ.
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَابُدَ فِيهَا مَنْ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ" مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْإِسْرَارِ بِهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ، مِنْهُمْ
أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ، وبه قال أحمد ابن حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مَثْلُ ذَلِكَ، حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (الِاسْتِذْكَارِ). وَاحْتَجُّوا مِنَ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". وَمَا رَوَاهُ عَمَّارُ بن رزيق عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أنس قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلف أبي بكر وعمر، فلم أسمع أحد منهم يجهر بـ "بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". وهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ تَتَّفِقُ الْآثَارُ عَنْ أَنَسٍ وَلَا تَتَضَادُّ وَيُخْرَجُ بِهِ مِنَ الْخِلَافِ فِي قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحْضُرُونَ بِالْمَسْجِدِ، فَإِذَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ يَذْكُرُ رَحْمَانَ اليمامة يعنون مسيلمة فأُمر أنْ يُخافِتَ بـ "بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وَنَزَلَ: "وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها". قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: فَبَقِيَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا على ذَلِكَ الرَّسْمِ وَإِنْ زَالَتِ الْعِلَّةُ، كَمَا بَقِيَ الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ وَإِنْ زَالَتِ الْعِلَّةُ، وَبَقِيَتِ الْمُخَافَتَةُ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ وَإِنْ زَالَتِ الْعِلَّةُ.
واتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ كَتْبِهَا فِي أول كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ وَالرَّسَائِلِ، فَإِنْ كَانَ الكتاب ديوان شعر فروى مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَجْمَعُوا أَلَّا يَكْتُبُوا أَمَامَ الشِّعْرِ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَلَّا يَكْتُبُوا فِي الشِّعْرِ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". وَذَهَبَ إِلَى رَسْمِ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِ كُتُبِ الشِّعْرِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ أبو بكر الخطيب: هو الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَسْتَحِبُّهُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ: مُبَسْمِلٌ، وَهِيَ لُغَةٌ مُوَلَّدَةٌ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي الشِّعْرِ، قَالَ عُمَرُ بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غذاه لقيتها ....... فيا حبذا ذلك الْحَبِيبُ الْمُبَسْمِلُ
والْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بَسْمَلَ. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ وَالْمُطَرِّزُ وَالثَّعَالِبِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: بَسْمَلَ الرَّجُلُ، إِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ. يُقَالُ: قَدْ أَكْثَرْتَ مِنَ الْبَسْمَلَةِ، أَيْ مِنْ قَوْلِ بِسْمِ اللَّهِ. وَمِثْلُهُ حَوْقَلَ الرَّجُلُ، إِذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَهَلَّلَ، إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَسَبْحَلَ، إِذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَحَمْدَلَ، إِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَحَيْصَلَ، إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. وَجَعْفَلَ إِذَا قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ. وَطَبْقَلَ، إِذَا قَالَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ. وَدَمْعَزَ، إِذَا قَالَ: أَدَامَ اللَّهُ عِزَّكَ. وَحَيْفَلَ، إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُطَرِّزُ: الْحَيْصَلَةَ، إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. وَجَعْفَلَ، إِذَا قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ. وَطَبْقَلَ، إِذَا قَالَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ. وَدَمْعَزَ، إِذَا قَالَ أَدَامَ اللَّهُ عِزَّكَ.
وقد نَدْبُ الشَّرْعِ إِلَى ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ فِعْلٍ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّحْرِ، وَالْجِمَاعِ وَالطَّهَارَةِ وَرُكُوبِ البحر، وإلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. {وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها}. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ)). وَقَالَ: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا)). وَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: ((يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وكل مما يليك)). وقال ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِلَّا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)). وَقَالَ: ((مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ)). وَشَكَا إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ضَعْ يَدَك عَلَى الَّذِي تَأْلَمُ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرٍّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ)). هَذَا كُلُّهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ)). وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مَسَّ طَهُورَهُ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى يَدَيْهِ.
وَفِي هذه الأحادث رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ أَفْعَالَهُمْ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ. وَمَوْضِعُ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِكُلِّ فِعْلٍ أَنْ نَفْتَتِحَ بِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرْنَا. فَمَعْنَى "بِسْمِ اللَّهِ"، أَيْ بِاللَّهِ. وَمَعْنَى "بِاللَّهِ" أَيْ بِخَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ يُوصَلُ إِلَى مَا يُوصَلُ إِلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ: "بِسْمِ اللَّهِ" يَعْنِي بَدَأْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَبَرَكَتِهِ، وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ، لِيَذْكُرُوا اسْمَهُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى يَكُونَ الِافْتِتَاحُ بِبَرَكَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ.
ذَهَبَ أبو عبيد مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى إِلَى أَنَّ "اسْمَ" صِلَةٌ زَائِدَةٌ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ لَبِيَدٍ:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا .. وَمِنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فقد اعتذر
فَذَكَرَ "اسْمَ" زِيَادَةً، وَإِنَّمَا أَرَادَ: ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا. وَقَدِ اسْتَدَلَّ العُلَمَاء بِقَوْلِ لَبِيَدٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى.
واخْتُلِفَ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ "اسْمِ" فَقَالَ قُطْرُبٌ: زِيدَتْ لِإِجْلَالِ ذِكْرِهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: زِيدَتْ لِيَخْرُجَ بِذِكْرِهَا مِنْ حُكْمِ الْقَسَمِ إِلَى قَصْدِ التَّبَرُّكِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ: بِاللَّهِ.
اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى دُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ، هَلْ دَخَلَتْ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ؟ وَالتَّقْدِيرُ: ابْدَأْ "بِسْمِ اللَّهِ". أَوْ عَلَى مَعْنَى الْخَبَرِ؟ وَالتَّقْدِيرُ: ابتدأتُ بسم الله، قولان: الأول للفَرّاء، والثاني للزجّاج. فـ "بسم الله" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى ابْتِدَائِي "بِسْمِ اللَّهِ"، فَـ "بِسْمِ اللَّهِ" فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِ الِابْتِدَاءِ. وَقِيلَ: الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيِ ابْتِدَائِي مُسْتَقِرٌّ أَوْ ثَابِتٌ "بِسْمِ اللَّهِ"، فَإِذَا أَظْهَرْتَهُ كَانَ "بِسْمِ اللَّهِ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِثَابِتٍ أَوْ مُسْتَقِرٍّ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ فِي الدَّارِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} فَـ "عِنْدَهُ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، رُوِيَ هَذَا عَنْ نُحَاةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ ابْتِدَائِي بِبِسْمِ اللَّهِ مَوْجُودٌ أَوْ ثَابِتٌ، فَـ "بِاسْمِ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ ابْتِدَائِي.
و"بِسْمِ اللَّهِ"، تُكْتَبُ بِغَيْرِ أَلِفٍ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِبَاءِ الْإِلْصَاقِ فِي اللَّفْظِ وَالْخَطِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، بخلاف قوله: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ" فإنها تحذف لقلة الاستعمال. واختلفوا فِي حَذْفِهَا مَعَ الرَّحْمَنِ وَالْقَاهِرِ، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَسَعِيدٌ الْأَخْفَشُ: تُحْذَفُ الْأَلِفُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ: لَا تُحْذَفُ إِلَّا مَعَ "بِسْمِ اللَّهِ" فَقَطْ، لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ إِنَّمَا كَثُرَ فِيهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَخْصِيصِ بَاءِ الْجَرِّ بِالْكَسْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ، فَقِيلَ: لِيُنَاسِبَ لَفْظُهَا عَمَلَهَا. وَقِيلَ لَمَّا كَانَتِ الْبَاءُ لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى الْأَسْمَاءِ خُصَّتْ بِالْخَفْضِ. الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ. الثَّالِثُ: ليفرق بينها وَبَيْنَ مَا قَدْ يَكُونُ مِنَ الْحُرُوفِ اسْمًا، نَحْوَ الْكَافِ فِي قَوْلِ امرؤ القيس:
وَرُحْنَا بِكَابْنِ الْمَاءِ يُجْنَبُ وَسْطَنَا.....................................
أَيْ بِمِثْلِ ابْنِ الْمَاءِ أو ما كان مثله.
فالباءُ فيها زائدةٌ لأنّها أتت للخفض، وهي تُسمّى باءَ التَضمين أو
باءَ الإلصاق كقولك: كتبتُ بالقلم، فالكتابةُ لاصقةٌ بالقلم. وهي مكسورةٌ أبداً، وخافضةٌ لما بَعدَها فلذلك كَسَرتْ ميمَ "اسمِ" وفي إعرابها نقول: الباءُ حرفُ جرٍّ زائد.
وكلمةُ "بِسْمِ": جارٌّ ومجرورٌ، وجعل الشيخُ الأكبرُ ـ قُدِّسَ سِرُّهُ ـ
هذا الجارَّ خبرَ مبتدأٍ مُضْمَرٍ هو ابتداءُ العالَمِ وظُهورُهُ، لأنَّ سببَ وجودِهِ الأسماءُ الإلهيَّةُ، وهي المُسَلَّطَةُ عليه، كجَعْلِهِ متعَلِّقاً بما بعدَه، إذْ لا يُحْمَدُ اللهُ تعالى إلّا بأسمائه من بابِ الإشارةِ، فلا يُنظَر فيه إلى الظاهر، ولا يُتقيَّدُ بالقواعد، ولا أرى الاعتراضَ عليه من الإنصاف. وقد ذهب الكثيرُ إلى أنّ تقديرَ المُتعلِّقِ هنا مؤخراً أحرى لأنّ اسمَ اللهِ تعالى مقدَّمٌ على الفعلِ ذاتاً، فليُقَدّمْ على الفعل ذِكراً. وتحنيك طفل الذهن بحلاوة هذا الاسم يُعينُ على فِطامِهِ عن رَضْعِ ضَرْعِ السِوى بدون وضع مرارةِ الحُدوثِ، على أنّ بركةَ التبرُّك طافحةٌ بالأهميَّةِ، وإنْ قلنا بأنّ في التقديم قطعُ عِرْقِ الشِرْكَةِ ردّاً على من يدّعيها ناسَبَ مقامَ الرسالةِ وظهرَ سرُّ تقديمِ الفعلِ في أوّلِ آيةٍ نَزَلَتْ إذ المقامُ إذ ذاك مَقامُ نبوَّةٍ ولا رَدَّ ولا تبليغَ فيها، ولكلِّ مَقامٍ مقالٌ، والبلاغةُ مُطابَقةُ الكلامِ لمُقتضى الحال، وقد اعتركت الأفهامُ هنا في توجيه القَصْرِ لظنِّه من ذِكْرِ الاختصاصِ حتى ادّعاه بعضُهم بأنواعِهِ الثلاثةِ وأفردَ البعضُ البعضَ فمُقتصِرٌ على قَصْرِ الإفرادِ، وقائلٌ به وبالقلب، وفي القلب من كلِّ شيءٍ وعندي هنا يُقدَّر مقدَّماً، وبه قال الأكثرون وإنَّ تقديرَه مؤخَّراً مؤخَّرٌ عن ساحةِ التحقيقِ لأنّه إمّا أنْ يُقدَّرَ بعد الباء أو بعد اسمِ أو بعد اسمِ اللهِ، أو بعدَ البَعْدِ، أما تقديرُه بعد الباء فلا يقولُه مَن عَرَفَ الباء.
وأما بعد الاسْمِ فَلِاسْتلزامه الفصلَ ولو تَعَقُّلاً، حيث أوجبوا الحذفَ هنا بين المُتضايفيْنِ، وأمّا بعدَ اسمِ اللهِ فَلِاسْتِلْزامِهِ الفصلَ كذلك بين الصِفَةِ والموصوفِ، وأمّا بين الصفتين فيتسع الخَرْقُ، وأمّا بعد التمامِ فيَظهرُ نقصٌ دقيقٌ لأنّ في الجُملَةِ تعليقُ الحُكْمِ بما يُشعِرُ بالعِلِّيَةِ، فكان الرحمنُ الرحيمُ علَّةً للقراءةِ المُقيَّدةِ باسمِ اللهِ، فإذا تأخّرَ العاملُ المُقيّدُ المَعْلولُ وتقدّمتْ علَّتُه أَشْعَرَ بالانحصارِ، ولا يَظهَرُ وجهُه وإذا قدّرنا العاملَ مقدَّماً ـ كما هو الأصل ـ أمِنّا مِن المَحذورِ ويَحصل اختصاصٌ أيضاً، إذ كأنّه قِيلَ مثلاً: اقرأْ مستعيناً أو متبرِّكاً بسم الله الرحمن الرحيم، لأنّه الرحمنُ الرحيمُ. وانتفاءُ العِلَّةِ يَستلزِمُ انتفاءَ المعلولِ في المَقامِ الخِطابيِّ إذا لم تظهرْ علَّةٌ أخرى فيُفيدُ الاختصاصُ لا سيّما عند القائلِ بمفهومِ الصفةِ، فيُشعِرُ بأنّ مَن لم يتصفْ بذلك خارجٌ عن الدائرة. والاقتصارُ هنا ليس كالاقتصارِ هناك والتخلُّصُ بتقديرِ التركيبِ: مستعيناً باسمِ الله لأنّه الرحمنُ الرحيمُ اقرأْ، فيه ما لا يَخفى على الطبعِ السليمِ.
وفي تقديمِ الحادثِ تعقُّلاً، وحذفِه ذِكْراً، وعدمِ وُجودِ شيءٍ في الظاهرِ مستقلاًّ سوى الاسمِ القديمِ رمزٌ خفِيٌّ إلى تقديمِ الأعيانِ الثابتةِ في العِلْمِ وإنْ لم يكن على وجودِ اللهِ تعالى، إذْ له جَلّ شأنُه التقدُّمُ المُطْلَقُ، وعدمُ ظهورِ شيءٍ سواه، وكلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَه.
والتبرُّكُ كالوُجوبِ يَقتضي التقدُّمَ بالذِكرِ مكسوراً لا مضموماً. وها هو كما ترى. ومن الأكابر مَن قال: ما رأيتُ شيئاً إلّا ورأيتُ اللهَ تعالى فيه، ولا حُلولَ، وقد عُدَّ أكملَ من الأوّلِ ـ أي ما رأيت شيئًا إلا ورأيت اللهَ قبلَه ـ والمراتبُ أربعٌ وتحنيكُ الرحمةِ يُغني عن كلِّ دَرٍّ ويَفطِمُ طفلَ الذِهْنِ عن سُدى جواري الفِكَرِ، وكأنّ مَنْ قَدَّرَ العاملَ مُؤخَّراً رأى {بسم الله مجراها} هود: 41، و((باسمِكَ ربّي وضعتُ جَنبي)). الحديث الشريف، وأمثالَهما. فجرى مجراها. والفرقُ ظاهرٌ للناظِرِ، وهذا من نسائِمِ الأسحارِ فيتقظْ لهُ ونَمْ عن غيرِه.
والظَرْفُ مستقرٌّ عند بعضٍ ولَغْوٌ عندَ آخرين، وقد اختُلِفَ في تفسيرِهما، فقيل اللغْوُ ما يكون عاملُه مذكوراً، والمستقِرُّ ما يكون عاملُه محذوفاً مُطْلَقاً. وقيلَ المستقِرُّ ما يكون عاملُه عامّاً كالحُصولِ والاستقرارِ، وهو مُقَدَّرٌ واللغوُ بخلافِه. وقيل اللغوُ ما يكونُ عاملُه خارجاً عن الظَرْفِ غيرَ مفهومٍ منه سواء ذُكِرَ أوْ لم يُذكَر، والمُستقرُّ ما فُهِم منه معنى عاملِه المُقدَّر الذي هو من الأفعال العامّةِ، وكلُّ ذلك اصطلاحٌ. وحيث لا مشاحةَ فيه اختارَ الأوّلَ فيكونُ الظَرْفُ هنا مستقرّاً كيفما قُدِّرَ العاملُ، وإنّما كُسِرت الباءُ، وحَقُّ الحروفِ المُفردةِ أن تُفتَحَ لأنّها مبنيّةٌ والأصلُ في البِناءِ ـ لِثِقَلِهِ وكونِه مقابلاً للإعرابِ الوُجوديِّ ـ السكونُ لخِفَّتِهِ وكونِه عَدَميّاً، إلّا أنّها ـ من حيثُ كونِها كلمات برأسِها ـ مَظَنّةٌ للابتداءِ ـ وهو بالساكن ـ متعذِّرٌ أو مُتَعَسِرٌ كان حقّها الفتحُ إذ هو أخو السكونِ في الخِفّةِ المطلوبةِ في كثيرِ الدوران على الألسنة لامتيازها من بين الحروف بلزوم الحرفيّة والجَرِّ وكلٌّ منهما يُناسب الكسرَ، أمّا الحَرْفيَّةُ فلأنها تقتضي عدمَ الحركةِ، والكَسْرُ لقلَّتِه ـ إذ لا يوجد في الفعلِ ولا في غيرِ المنصرفِ ولا في الحروف إلا نادراً ـ يُناسِبُ العدَمَ.
وأمّا الجَرُّ فلموافقةِ حركةِ الباءِ أَثرُها، ولا نقضَ بواوِ العطفِ
اللازمةِ للحرفيّةِ، ولا بكافِ التشبيهِ اللازمةِ للجرِّ لأنّ المَجموعَ سببُ الامتيازِ، ولم يُوجدْ في كُلٍّ لكن يبقى النقضُ واوَ القَسَمِ وتاءه ويُجابُ بأنّ عملَها بالنيابةِ عن الباءِ التي هي الأصلُ في حروفِه، فكأنَّ الجرَّ ليس أَثَراً لهما، وهذه عِلَلٌ نَحْوِيَّةٌ مُسْتَخْرَجَةٌ بعد الوقوعِ لإبداء مناسبةٍ فلا تتحمّلُ مناقشةً لضَعفِها كما قيل:
عهد الذي أهوى وميثاقه .................... أضعف من حجة نحوي
فلا نُسْهِرُ جَفْنَ الفِكْرِ فيما لها وعليها.
وقال بعضُهم من بابِ الإشارة: كُسِرَتِ الباءُ في البَسملةِ تعليماً للتوصُّلِ إلى اللهِ تعالى والتَعَلُّقِ بأسمائِهِ بِكَسْرِ الجَنابِ والخُضوعِ، وذُلِّ العُبوديَّة، فلا يُتوصَّلُ إلى نوعٍ من أنواعِ المعرفةِ إلّا بنوعٍ من أنواعِ الذُلِّ والكَسْرِ، كما أَشار إلى ذلك سيّدي عُمرُ بنُ الفارضِ قَدَّسَ اللهُ تعالى سرَّهُ الفائضَ بقوله:
ولو كنتَ لي من نقطة الباءِ خَفضةً ....... رُفِعْتَ إلى ما لمْ تَنَلْهُ بِحِيلَةِ
بحيثُ نَرى أنْ لا تَرى ما عَدَدْتَهُ .......... وأَنّ الذي أَعْدَدْتَهُ غيرُ عُدّةِ
فإنَّ الخفضَ يُقابلُ الرفعَ فمَنْ خَفَضَهُ النظرُ إلى ذُلِّ العُبوديّةِ، رفعَه القَدَرُ إلى مُشاهدةِ عِزِّ الربوبيّةِ، ولا يُنالُ هذا الرفعُ بحيلةٍ؛ بل هو بمحضِ الموهبةِ الإلهيّةِ الجَليلةِ، ومَنْ تَنَزَّلَ لِيَرتَفِعَ فتَنَزُّلُه مَعلولٌ، وسعيُه غيرُ مقبول.
وهو أمرٌ مخصوصٌ بباءِ البَسملةِ لا يمكن أنْ يَجري في باء الجرِّ مطلقاً كما لا يخفى، وسِرُّ ذلك أنّ الباءَ هي المرتبةُ الثانيةُ بالنسبة إلى الألفِ البسيطةِ المجرّدةِ المتقدِّمةِ على سائرِ المَراتِبِ، فهي إشارةٌ إلى الوُجودِ الحقِّ، والباءُ إمّا إشارةٌ إلى صفاتِه التي أظهرتْها نقطةُ الكون ولذلك لمّا قيلَ للعارِفِ الشِبْلِيِّ أنتَ الشِبْلِيُّ؟ قال أنا النقطةُ تحت الباء، وقال سيدي الشيخ الأكبر قُدِّسَ سِرُّهُ:
الباءُ للعارِفِ الشِبْلِيِّ مُعْتَبَرٌ ................ وفي نُقَيْطَتِها للقلبِ مُدَّكَرُ
سِرُّ العُبودِيَّةِ العلياءِ مازَجَها ........... لذاك نابَ مَنابَ الحَقِّ فاعْتَبِروا
أليسَ يُحذَفُ من بِسمٍ حقيقتُه ................. لأنّه بَدَلٌ مِنه فَذا وَزَرُ
والصفاتُ إمّا جَماليّةٌ أو جلاليّةٌ، وللأُولى السَبْقُ، كما يُشيرُ إليهِ حديثُ ((سبقتْ رحمتي غضبي)) وباء الجَرِّ إشارةٌ إليها لأنّها الواسطةُ في الإضافةِ والإفاضةِ فناسَبَها الكَسْرُ وخَفْضُ الجَناحِ ليَتِمَّ الأمرُ ويَظهَرَ السِرُّ، وفي الابتداءِ بهاهنا تعجيلٌ للبِشارةِ ورمزٌ إلى أنّ المَدارَ هو الرحمةُ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لن يُدْخِلَ أَحَدَكُمُ الجَنَّةَ عملُه)). قيل حتّى أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((حتّى أنَا إلّا أنْ يَتَغَمّدني اللهُ برحمتِه)).
وقد تدرَّجَ سبحانَه وتعالى بإظهارِها فرمزَ بالباءِ وأشارَ باللهِ وصرّحَ أَتَمَّ تصريحٍ بالرحمنِ الرحيمِ. وأمّا الإشارةُ إلى الحقيقة المحمّديّةِ والتعيينِ الأوَّلِ المُشارِ إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((أوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ نورَ نبيِّكَ يا جابرُ)). وبوِساطتِه حصلت الإفاضةُ، كما يشير إليه "لولاكَ ما خلقتُ الأفلاكَ" ولكون الغالِبِ عليه الصلاة والسلام صفةُ الرحمةِ لا سيّما على مؤمنيِّ الأمَّة، كما يُشيرُ إليه قولُه تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} الأنبياء: 7 10، وقولُه تعالى: {بالمؤمنين رَءوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة: 8 12، ناسَبَ ظهورُ الكَسْرِ فيما يُشيرُ إلى مَرْتَبَتِه. وفي الابتداء بِه هنا رمزٌ إلى صفةِ مَن أُنزِلَ عليه الكِتابُ والداعي إلى الله. وفي ذلك مع بيانُ صفةِ المدعوِّ إليه بأنّه الرحمنُ الرحيمُ تَشويقٌ تامٌّ وترغيبٌ عظيمٌ. وقد تدرّجَ أيضاً جلّ شأنُه في وصفِه صلى الله عليه وسلم بذلك في القرآن إلى أن قال سبحانه: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم: 4، واكتفى بالرمز لعدم ِظهورِ الآثارِ بعدُ، وأوَّلُ الغيثِ قَطرٌ ثم يَنهملُ، وما من سورةٌ إلّا افتتحَها الربُّ بالرمزِ إلى حالِه صلى الله عليه وسلم تعظيماً له وبِشارةً لمن ألقى السَمْعَ وهو شهيدٌ. ولمّا كان الجَلالُ في سورةِ "براءةٌ" ظاهراً ترَك الإشارةَ بالبَسْمَلَةِ وأتى بباءٍ مفتوحةٍ لتغيرِ الحالِ وإرخاءِ السترِ على عرائِسِ الجمالِ ولم يتركْ سبحانَه وتعالى الرمزَ بالكُلِّيَّةِ إلى الحقيقةِ المُحمَّدِيَّةِ، ولا يَسَعُنا الإفصاحُ بأكثرَ من هذا في هذا البابِ خوفاً من قالِ أربابِ الحِجابِ وخلفَه سِرٌّ جليلٌ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
والباء ـ هنا ـ للاستعانة لأنَّ المعنى: أَقرأُ مستعيناً بالله، أو باسم الله، ولها معانٍ أُخَرُ وهي:
ـ الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازاً، نحو: مَسَحْتُ برأسي "على الحقيقة" ومررْتُ بزيدٍ "على سبيل المجاز".
ـ والسببيّةُ: نحو{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ..} أي بسببِ ظلمهم.
ـ والمُصاحَبَةُ نحو: خَرَجَ المجاهدُ في سبيل الله بماله، أي مُصاحِبَاً له، ويقال كذلك خرج المهزوم بثيابه.
ـ والبَدَلُ "أو العِوض" كقوله عليه الصلاة والسلام: ((ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَم)). أيْ بَدَلها. كما لو قلتَ هذا بذاك.
ـ والقَسَمُ: أي أحلفُ باللهِ لأفعلنَّ كذا، أو بالله عليك إلاّ فعلتَ كذا وكذا.
ـ والظَرْفيَّةُ نحو: نحو قوله تعالى: {إنّ أوّلَ بيتٍ وضعَ للناسِ للذي ببكّةَ} أي فيها، وكذلك قولك: نهرُ بردى بالشام.
ـ والتَعْدِيَةُ نحو: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}. لأنّ هذا الفعل "ذهب" فعلٌ لازمٌ في مثل قولك: ذهب فلان، فالجملة هنا فعل وفاعل فقط دون مفعول به، فإذا أردنا أن نعدَّيَه ليتَّخذ مفعولاً به وجب أن نقول: ذهب فلانٌ بفلانٍ.
ـ والتَبعيضُ كقول عنترة:
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُ ضَيْنِ فأصْبَحَتْ .... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
أي بعضاً من مائه. ولذلك قال بعضُ الفقهاء في "فامسحوا برؤوسكم" أي ببعضها.
ـ والمقابلة: "اشتريتهُ بألف" أي: قابلتُه بهذا الثمنِ.
ـ والمجاوزة مثلُ قولِه تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماءُ بالغمام} أي عن الغمام، ونحو قوله سبحانه: {الرحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} أي عنه.
ـ والاستعلاء كقوله تعالى: {ومنهم إن مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي
على قنطار.
وقد تُزادُ مُطَّرِدةً وغيرَ مطَّرِدةٍ، فالمطَّردةُ في فاعل "كفى" نحو: {وكفى بالله شهيداً} وفي خبرِ ليس و"ما" أختِها، كقوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} و{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عما يعمل الظالمون} وفي: بحَسْبِك زيدٌ.
وغيرَ مطَّردةٍ في مفعولِ " كفَى" كقول أحدهم:
فكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غيرُنا ................ حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي: كَفانا فضلاً.
وفي المبتدأ غيرَ "حَسْب" أوفي خبر "لا" أختِ ليس، كقول أحدهم:
فكُنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ...... بمُغْنٍ فتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي: مُغْنياً، وفى خبرِ كان مَنْفِيَّةً نحو:
وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ.. بأعجلِهم، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم.
وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضاً كقوله:
دعاني أخي والخيلُ بيني وبينه .......... فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي: لم يَجِدْني قُعْدَداً. وفي خبر "إنَّ" كقول امرئ القيس:
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها ............ فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المجرِّب.
وقد اشتُهِرَ أنّ معاني الكُتُبِ السماوية كلها في القرآن، ومعاني
القرآن في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في البسملة، ومعاني البسملة في الباء. فالباء في "بسم الله" حرف التضمين؛ أي بالله ظهرت الحادثات، وبه وجدت المخلوقات. وقد أودع جميعَ العلوم في الباء، أي بي كان ما كان وبي يكون ما يكون فوجود العوالم بي وليس لغيري وجودٌ حقيقيٌّ إلّا بالاسم والمجاز، وهو معنى قولهم ما نظرتُ شيئًا إلّا رأيتُ اللهَ فيه أو قبلَه، ومعنى قوله عليه الصلاةُ والسلام في الحديث القدسي: ((لا تَسُبُّوا الدهرَ فإنَّي أنا الدهرَ)). فهو ـ سبحانه ـ الذي خلقه وهو الفاعل فيه ولا فعل للدهر نسنده إليه.
والاستعانةُ أَوْلى بلْ يكادُ أنْ تكونَ متعيِّنةً إذْ فيها من الأدب والاستكانةِ وإظهارِ العبوديَّةِ ما ليس في دعوى المُصاحبَة ولأنّ فيها تلميحاً من أوَّلِ وهلةٍ إلى إسقاطِ الحَوْلِ والقُوَّةِ ونفيِ استقلالِ قَدَرِ العبادِ وتأثيرِها. وهو استفتاحٌ لبابِ الرحمةِ وظَفَرٌ بكِنْزِ لا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله.
وكان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يقول فيها لكُتّابِهِ: (طَوِّلوا الباء وأظهِروا السين، وفرِّجوا بينهما، ودَوِّروا الميم تعظيماً لكلامِ اللهِ تعالى).
وقد أسقطوا الألف بعدها للتخفيف، إذ الأصلُ أن تقول باِسم الله .. وفي الكلام إضمارٌ واختصارٌ تقديرُه: قل، أو ابدأ "بسم الله". والمعنى: بالله تكوّنت الموجوداتُ، وبه قامت المخلوقات.
فأمّا معنى الاسم، فهو عينُ المسمّى وحقيقةُ الموجود، وذاتُ
الشيءِ وعينُه ونفسُه واسمُه، وكلُّها تُفيد معنىً واحداً. والدليلُ على أنّ الاسمَ عينُ المسمّى قولُه تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمُه يحيى} فأخبر أنّ اسمَه يحيى، ثمّ نادى الاسمَ وخاطبَه فقال: {يا يحيى} فيحيى هو الاسم، والاسم هو يحيى. وقوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا..} وأراد الأشخاص المعبودة؛ لأنّهم كانوا يعبدون المسمّيات. وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلى} و{تَبَارَكَ اسمُ رَبِّكَ}. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتّى لا يُعبَدَ له اسمٌ)) أي حتى لا يعبد هو.
والاسمُ عند البَصريين من الأسماءِ العَشَرةِ التي بُنيتْ أوائلُها على السكون وهي: ابْنٌ وابنةٌ وابنمٌ واسْمٌ واسْتٌ واثْنان واثْنتان وامرؤٌ وامرأةٌ وأيْمُنُ اللهِ، وأيْمُ اللهِ منهُ، فإذا نطقوا بها زادوا همزةً لبشاعةِ الابتداءِ بالساكنِ غيرِ المدّاتِ عندَهم، وفيها يَمتنعُ والأمرُ ذوقاً، وهو مما حُذِفَ عجزُه كَـ "يَدٍ".
واشتقاقُه من السُمُوِّ كالعُلُوِّ لأنّه لدِلالتِه على مُسمّاه يُعليه من حضيضِ الخَفاءِ إلى ذُروةِ الظُهورِ وال3440جلاء.
وأصله سِمْو "من السُمُوِّ" وجمعُه: أسماء، مثلُ قِنْوٍ وأَقْناء وحِنْوٌ وأحْناء، فحُذفت الواو للاستثقال، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم بحسب محلها في الإعراب، ونقل سكونُ الميمِ إلى السين فسكنت، ثم أُدخلتْ ألفٌ مهموزةٌ لسكون السين "اسم"؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال: سُمَيّ "في التذكير"وسُمَيَّة" في التأنيث" لأنّ كلَّ ما سَقط في التصغير والتصريف فهو غيرُ أصلي.
والاسمُ لغةً: ما أبانَ عن مُسَمَّى، واصطلاحاً: ما دلَّ على معنىً في نفسه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لزمانٍ، بعكس الفعل فهو متعلق بزمان ما، الماضي "الفعل ماض" أو الحاضر "الفعل المضارع" أو المستقبل "فعل الأمر والمضارع إذا سبق بالسين أو سوف" والتسميةُ: جَعْلُ ذلك اللفظِ دالاًّ على ذلك المعنى.
واختُلِف: هل الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه؟ وقد بسَطْنا في ذلك آنفاً، وما يَعنينا من ذلك: أنَّ الاسمَ ـ هنا ـ بمعنى التسمية، والتسميةُ غيرُ الاسم، لأنَّ التَسْمِيةَ هي اللفظُ بالاسم والاسمَ هو اللازمُ للمُسَمَّى.
ثم إنَّ في الكلامِ حَذْفُ مضافٍ، تقديرُه: باسم مُسَمَّى اللهِ. والاسم مشتقٌ من السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ، لأنه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيرفعُه ويُظْهِرُهُ، وذهب بعضهم إلى أنّه مشتقٌّ من الوَسْمِ، والوَسْمُ العلامةُ لأنّ الاسمَ علامةٌ على مُسَمَّاه.
وقيل في "بسم": أنّ الباءَ بَهاءُ اللهِ عزَّ وجلَّ، والسينَ سناءُ اللهُ عزَّ وجلَّ، والميمَ مجدُ الله عزَّ وجلَّ، فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيدٍ الخِدريِّ رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عيسى بنَ مريمَ أسلمَتْهُ أمُّه إلى الكُتّابِ ليتعلّم، فقال له المعلّم: قل باسمِ الله. قال عيسى: وما باسم الله؟ فقال له المعلّم: ما أدري. قال "أي عيسى عليه السلام" الباءُ: بهاءُ الله، والسينُ: سناءُ
اللهِ، والميمُ: مملكةُ اللهِ)). فاعْجَبْ لمتعلِّمٍ يُعلِّمُ أستاذَه.
ولفظُ الجلالةِ "الله" عَلَمٌ على ذاتِ الخالقِ ـ عزَّ وجلَّ ـ تفرَّدَ به سبحانه ـ ولا يُطلَق على غيرِه، ولا يُشارِكُه فيه أحد.
و"الله" اسمٌ لواجبِ الوجود، وليس من أحد واجب وجودُه سواه سبحانه وتعالى، قسّم علماء التوحيد الوجود إلى: واجب، وهو وجود خالق للموجودات جميعها ، ووجود جائز أو ممكن ، وهو وجود العالم وما فيه، ووجود مستحيل كوجود شريك للخالق: ((..وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)).
وأصلُ هذه الكَلِمَةِ "إله" فأُدخلت الألفُ واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لمّا كانَ اسمَ اللهِ عزَّ وجَلَّ ، فصار "الإله" فحُذفت الهمزةُ استثقالاً لِكَثرَةِ جَرَيانها على الألسُنِ ، وحُوِّلتْ هُوِيّتُها إلى لامِ التعظيم
فالتقى لامان، فأُدغِمتْ اللامُ الأولى في الثانية، فقالوا "الله".
وهو اسمٌ عَلَمٌ غيرُ مشتقٍّ من صفةٍ. قال الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِيّاً}.
و"اللهُ" أكبرُ أسمائه ـ سبحانَه ـ وأجمعُها، وهو اسمُ اللهِ الأعظمُ "عندَ أهلِ التحقيق" الذي حوى الأسماءَ كلَّها، وبين الألفِ واللامِ منه حرفٌ مُكنّى غيبٌ من غيبٍ إلى غيبٍ ، وسِرٌّ من سِرٍّ إلى سِرٍّ، وحقيقةٌ من حقيقةٍ إلى حقيقةٍ. لا ينال فهمه إلاَّ الطاهرُ من الأدناس، كما قالوا.
ومن العلماء مَن عَدّه مشتقاً؛ واختلفوا في اشتقاقه، فقال بعضُهم
هو من التألُّهِ، وهو التنسُّكُ والتَعَبُّدُ، يُقالُ: أَلَهَ إلاهَةً، أي عَبَدَ عِبادة.
فقد قرأَ سيّدُنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما: "ويَذَرَكَ وإلهَتَكَ" أي عبادتك.
وقيل هو من "الإلْهِ" وهو الاعتمادُ، يُقالُ: أَلَهْتُ إلى فلانٍ، آلَهُ إلْهاً، أي فَزِعتُ إليه واعتمدتُ عليه. وقيل هو من قولهم "أَلِهْتُ في الشيء" إذا تحيّرتَ فيه فلم تَهْتَدِ إليه. وقيل هو من "أَلُهْتُ إلى فلان" أي سكنتُ إليه. وقيل أصلُه مِن "الوَلَهِ" وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك. وأصلُه "أَلُهَ" ـ بالهمزة ـ فأُبدل من الألف واوٌ فقيل الوَلَهُ، مثل ذلك "إشاحٌ ووشاحٌ" و"وكاف، وإكاف" و"أرّختُ الكتابَ، وورّخته" و"وُقِّتَتْ، وأُقِّتَتْ". فكأنه سمّيَ بذلك؛ لأنّ القلوبَ تَوَلَّهُ لمحبَّتِهِ وتَضْطَرِبُ وتَشتاقُ عند ذكره.
وقيل: معناه محتجبٌ؛ لأن العرب إذا عَرَفَتْ شيئاً، ثم حُجِبَ عن أبصارِها سمّتْه إلهاً، قيل: لاهتْ العروس تَلُوهُ لَوهاً، إذ حُجِبت. والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة ـ بالدلائل والأعلام ـ المحتجبُ من جهةِ الكيْفيَّةِ عن الأوهام.
وقيل: معناه المتعالي، يقال: "لاه" أي ارتفع. وقيل: هو مأخوذٌ من قولِ العربِ: أَلِهْتُ بالمكان، إذا أقمتُ فيه. وقيل من "أَلَهَهُمْ" أي أحوجهم فالعبادُ مَوْلوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارِّ، كالواله المضطرّ المغلوب.
وغلَّظَ بعضٌ بقراءة اللام من قوله: "الله" حتى طبقوا اللسان به
الحنك لفخامة ذكره.
ولم يتسمّ به غيرُه ـ سبحانه ـ ولذلك لم يُثنَّ ولم يجمع: فاللهُ اسمٌ للموجودِ الحقِّ الجامعِ لصفات الإِلهيّة، المنعوت بنعوت الربوبيّة، المنفرد بالوجود الحقيقيّ، لا إله إلا هو، سبحانه وتعالى.
و"الرحمن": اسم فيه خاصيّةٌ من الحرف المكنّى بين الألف واللام الذي سلف ذكره آنفاً.
و"الرحيم": هو العاطف على عباده بالرزق في الفرع والابتداء في الأصل رحمة لسابق علمه القديم وفضله. أي بنسيم روح الله اخترعَ من مُلكِه ما شاء، رحمةً لأنه رحيم. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه {الرحمن الرحيم} اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده.
{الرحمن الرَّحِيمِ} قيل هما بمعنىً واحد مثل "نَدْمان، ونَديم" و"سَلمان، وسَليم" و"هَوان وهَوين" ومعناهما: ذو الرحمة، والرحمة: إرادة الله الخير بأهله، وهي على هذا القول تكون صفةَ ذات. وقيل: هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة "وفعل" الخير إلى من لم يستحق، وعلى هذا القول تكون صفةَ فعل، يُجمَع بينهما للاتّساع.
وفرَّقَ الآخرون بينهما فقال: بعضهم الرَّحْمن على زِنَةِ فَعْلان، وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول. وقولك: رجلٌ غضبان، للمُمتلئِ غَضَباً، وسكران لمن غلب عليه الشراب. فمعنى "الرَّحْمن": الذي وسِعت رحمتُه كلَّ شيءٍ. وقال بعضُهم: "الرَّحْمنُ" العاطف على جميع خلقه؛ كافرِهم ومؤمنِهم، بَرِّهم وفاجرِهم، بأنْ خَلَقَهم ورَزَقَهم. قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}.
و"الرحيم" بالمؤمنين خاصّةً بالهداية والتوفيق في الدنيا، والجنَّةِ والرؤيةِ في الآخرة. قال تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً}.
فـ "الرَّحْمنُ" خاصُّ اللفظِ عامُّ المعنى و"الرحيم" عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنى. و"الرَّحْمن" خاص من حيث إنّه لا يجوزُ أنْ يُسمّى به أحدٌ إلاّ اللهُ تعالى، عامٌّ من حيث إنّه يشمَل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. و"الرحيم" عامٌّ من حيث اشتراكُ المخلوقين في المسمّى به، خاصٌّ من طريق المعنى؛ لأنّه يَرجِعُ إلى اللطف والتوفيق.
و"الرَّحْمنُ" اسمٌ خاصٌّ بصفةٍ عامّةٍ، و"الرحيم" اسمٌ عامٌّ بصفةٍ خاصَّةٍ. وقيل: "الرَّحْمنُ" بأهل الدنيا، والرحيمُ بأهل الآخرة. وجاء في الدعاء: يا رحمنَ الدنيا ورحيمَ الآخرة.
و"الرحمن الرحيم": صفتان مشتقّتان من الرحمة، وقيل: "الرحمنُ" ليس مشتقاً لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم: {وَمَا الرحمن}
وأجيب عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ، ولذلك لم يقولوا: وَمَنْ الرحمن؟
وذهب بعضهم إلى أن "الرحمن" بدلٌ من اسمِ الله لا نعتٌ له، وذلك مبنيٌّ على مذهبه من أنَّ الرحمن عنده عَلَمٌ بالغلَبة. واستدَلَّ على ذلك بأنّه قد جاء غيرَ تابعٍ لموصوفٍ، كقوله تعالى: {الرحمن عَلَّمَ القرآن} و{الرحمن عَلَى العرش استوى}.
وقد رُدَّ عليه بأنّه لو كان بدلاً لكان مبيَّناً لِما قبله، وما قبلُه ـ وهو
الجَلالةُ ـ لا يفتقرُ إلى تبيينٍ لأنها أعرفُ الأعلامِ، ألا تراهم قالوا: {وَمَا
الرحمن} ولم يقولوا: وما اللهُ.
أمَّا قوله: "جاء غيرَ تابع" فذلك لا يمنعُ كونَه صفةً، لأنه إذا عُلم
الموصوفُ جاز حَذْفُه وبقاءُ صفتِه، كقولِه تعالى: {وَمِنَ الناس والدوابِّ
والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أي نوع مختلف، وكقول الشاعر:
كناطحٍ صخرةً يوماً لِيُوْهِنَها ............ فلم يَضِرْها وأَوْهَى قرنَه الوَعِلُ
أي: كوعلٍ ناطح.
و"الرحمةُ" لغةً: الرِقّةُ والانعطافُ، ومنه اشتقاقُ الرَّحِم، وهي البطنُ لانعطافِها على الجَنين، فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازاً عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه. ويكونُ على هذا التقدير صفةَ فعلٍ لا صفةَ ذاتٍ.
وقيل: الرحمةُ إرادةُ الخيرِ لمَنْ أرادَ اللهُ به ذلك، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقةٌ، وهي حينئذٍ صفةُ ذاتٍ، وهذا القولُ هو الظاهرُ.
وقيل: الرحمةُ رِقَّةٌ تقتضي الإِحسانَ إلى المرحومِ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقّة المجرّدة وتارةً في الإِحسان المجرَّد، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلاّ الإِحسانُ المجرّدُ دونَ الرقّةِ، وعلى هذا رُوي: "الرحمةُ من الله إنعامٌ وإفضالٌ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطُّف".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "وهما اسمان رقيقان أحدهما
أرقُّ من الآخر أي: أكثرُ رحمة" ونسب هذا القول لأمير المؤمنين علي
رضي الله عنه، كما مر سابقاً.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي على العنف)). وأمَّا "الرحيمُ" فالرفيق بالمؤمنين خاصة.
واختلف أهلُ العلمِ في "الرحمن الرحيم" بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين. فمنهم مَنْ قال: لكلِّ واحد فائدةٌ غيرُ فائدةِ الآخر، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال: "رَحْمنُ الدنيا ورحيمُ الآخرة". يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم. وذلك لأنَّ رحمتَه في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط. ويُروَى: رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدى الريس
ربان
ربان
هدى الريس


الساعة الآن :
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 2597
درجة النشاط : 18157
تاريخ التسجيل : 25/08/2011
العمر : 40
العمل/الترفيه : راجية عفو ربى

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم    فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013 - 20:13

جزاكم الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الله
مـــديــر الـمـنـتـدى
عبد الله


الساعة الآن :
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 6437
درجة النشاط : 22758
تاريخ التسجيل : 22/03/2008

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم    فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013 - 22:54

line3

أولا

أهلا بالأخ / عبد القادر الأسود

شرفت المنتدى

ثانيا

جزاك الله خيرا على تقديمك هذا العمل

و نفع بك المسلمين

ثالثا

ننتظر تواصلك ونشر إبداعك

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  1616948617

فيض العليم من معاني الذكر الحكيم  690964450
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
بـــــــــحـــــــر الأمــــــــــــــــــــل :: فــى رحــاب الــقـــرآن-
انتقل الى: