حياكم الله وبياكم اخوة الاسلام
اليوم باذن الله نستكمل شرح الحديث للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
قال
"
يَاعِبَادِي كُلُّكُم عَارٍ" فكلنا عار، لأننا خرجنا من بطون أمهاتناعراة.
"
إِلاّ مَنْ كَسَوتُهُ فَاستَكْسُونِي أَكْسُكُمْ" سواء كان من فعل الإنسان كالكبير يشتري
الثوب، أو من فعل غيره كالصغير يُشترى له الثوب، وربما يقال: إنه يشمل لباس
الدين، فيشمل الكسوتين: كسوة الجسد الحسيّة، وكسوة الروح المعنوية.
"
يَاعِبَادي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ" أي تجانبون الصواب، لأن الأعمال إما خطأ وإما صواب،
فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك الواجب، وإما بفعل المحرّم.
وقوله: بِالَّليْلِ الباء هنا بمعنى: (في) كما هي في قول الله تعالى: (
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ
عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْل) [الصافات:137-138] أي وفي الليل.
"
وَأَنَا أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً" أي أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت، ومهما عظمت،
ولكن تحتاج إلى الاستغفار.
"
فَاستَغفِرُونِي أَغْفِر لَكُم" أي اطلبوا مغفرتي، إما بطلب المغفرة كأن يقول: اللهم
اغفر لي، أو: أستغفر الله وأتوب إليه. وإما بفعل ما تكون به المغفرة، فمن قال:
سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولوكانت مثل زبد البحر.
"
يَاعِبَاديَ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّيْ فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُونِي" أي لن
تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني، لأن الضار والنافع هو الله عزّ وجل
والعباد لايستطيعون هذا، وذلك لكمال غناه عن عباده عزّ وجل.
"
يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتقَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ
مِنكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً" يعني لو أن كل العباد من الإنس والجن الأولين
والآخرين كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملك الله شيئاً، وذلك لأن ملكه
عزّ وجل عام واسع لكل شيء، للتقيّ والفاجر.
ووجه قوله: "
مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلكِي شَيئَاً" أنهم إذا كانوا على أتقى قلب رجل واحد
كانوا من أولياء الله، وأولياء الله عزّ وجل جنوده، وجنوده يتسع بهم ملكه، كما
لوكان للملك من ملوك الدنيا جنود كثيرون فإن ملكه يتسع بجنوده.
ثم قال: "
يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفجَرِ قَلبِ رَجُلٍ
وَاحدٍ مِنكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلْكِي شَيْئَاً" ووجه ذلك: أن الفاجر عدو لله عزّ وجل
فلا ينصر الله، ومع هذا لاينقص من ملكه شيئاً لأن الله تعالى غني عنه.
"
يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلونِي
فَأَعطَيتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسأَلَتَهُ" أي إذا قاموا في أرض واحدة منبسطة، وذلك لأنه كلما
كثر الجمع كان ذلك أقرب إلى الإجابة.
"
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحرَ" وهذا من باب
المبالغة في عدم النقص، لأن كل واحد يعلم أنك لو أدخلت المخيط وهو الإبرة
الكبيرة في البحر ثم أخرجتها فإنها لا تنقص البحر شيئاً ولا تغيره، وهذاكقوله
تعالى: (
لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ
الْخِيَاطِ)(الأعراف: الآية40)
إذ من المعلوم أن الجمل لايمكن أن يدخل في سم الخياط، فيكون هذا مبالغة
في عدم دخولهم الجنة.
كذلك هنا من المعلوم أن المخيط لو أدخل في البحر لم ينقص شيئاً، فكذلك لو أن
أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله عزّ وجل وأعطى كل إنسان مسألته
مهما بلغت فإن ذلك لاينقص ما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، ومن
المعلوم أن المخيط إذا أدخل البحر لاينقص البحر شيئاً، وفي الحديث الصحيح عن
النبي
أنه قال : "
يَدُ اللهِ مَلأى سحَّاءَ" أي كثيرة العطاء "الَّليلَ
والنَّهَارَ" أي في الليل والنهار "
أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرض فَإِنَّهُ لَمْ
يَغِضْ" أي لم ينقص "
مَا فِي يَمِيْنِهِ .
يَاعِبَادِيَ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ هذه جملة فيها حصر طريقه: (إنما) أي ما هي إلا
أعمالكم
أُحْصِيْهَا لَكُمْ أي أضبطها تماماً بالعدّ لازيادة ولانقصان، لأنهم كانوا في
الجاهلية لايعرفون الحساب فيضبطون الأعداد بالحصى، وفي هذا يقول الشاعر:
ولستُ بالأكثر منهمْ حصى وإنّما العزّة للكاثرِ
يعني أن عددكم قليل، وإنما العزة للغالب في الكثرة.
"ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا" أي في الدنيا والآخرة، وقد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في
الآخرة فقط.
قد يكون في الدنيا فقط: فإن الكافر يجازى علىعمله الحسن لكن في الدنيا لا في
الآخرة، والمؤمن قد يؤخر له الثواب في الآخرة، وقد يجازى به في الدنيا وفي
الآخرة، قال الله تعالى: (
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى:20)
وقال عزّ وجل: (
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيد)
(الاسراء: الآية18) وقال عزّ وجل: (
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
إذاً فالتوفية تكون في الدنيا دون الآخرة للكافر، أما المؤمن فتكون في الدنيا
والآخرة جميعاً، أو في الآخرة فقط.
" فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ" أي من وجد خيراً من أعماله فليحمد الله على
الأمرين: علىتوفيقه للعمل الصالح، وعلى ثواب الله له.
"
وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ" أي وجد شراً أو عقوبة "
فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ" لأنه لم يُظلم،
واللوم: أن يشعر الإنسان بقلبه بأن هذا فعل غير لائق وغير مناسب، وربما
ينطق بذلك بلسانه.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى
فاللهم اجعلنا ممن يجد الخير فيحمدك
ولا تجعلنا ممن يجد غيره فيلوم نفسه