يتيمة في حضن والديها
يتيمة في حضن والديها ، هذا هو الوصف الذي ينطبق على حالي فوالدي ووالدتي مازالا على قيد الحياة ولكنني لا أشعر بهما ولا أرتوي من حنانهما وحبهما ، أنا البنت الوحيدة بين سبعة اولاد لست أكبرهم ولا أصغرهم ولكن والدي ـ مع الأسف ـ لا يحب البنات .
فأنا مساوية لمصطلحات كثيرة في قاموسه مثل العار ، والذل ، والهم ، ومازلت أسمع عبارات تتضخم حال مروري أو عبوري تدعو بعدم كثرة بنات جنسي عند الصديق ، أو الدعاء علينا بالقبر.
يوم كنت طفلة صغيرة تشع البرلاءة من عينيها ، وتتفجر العذوبة من شفتيها كان الجميع يتندرون بي حين أدخل في ثوبي الجميل أظل للحظة انقل بصري بين والدي ووالدتي أيهما يفتح ذراعيه ليضمني كان والدي يومئ بيده نحو والدتي قائلا : ( هي لك ) فأسرع نحوها أرمي جسدي الطاهر في حضنها فتقبلني وهي تضحك كنت حينها في الرابعة من عمري وكان أخي ( محمد) في الثانية فكان والدي يفضله علي ويجلسه في حجره ويقبله ويناغيه ، ويخرج له من جيبه دراهم ويعطيه ، بل ربما بقي وقتا طويلا على تلك الحال فلا يضجر والدي ولا يمل ، ولما كبرنا قليلا صار والدي يستعديه علي ويحثه على ضربي او شد شعري او اخذ حقي مني ويفرح كثيرا إن تفنن في طرق القمع هذه ، بل لقد كافأه مرة حين بصق في وجهي .
كبرت وكبر معي شعور القهر هذا ، عار انا بين هؤلاء الشرفاء ، ذل ومهتنة لوالدي ، عيب في وجه إخوتي يحاولون مداراته ، أنا لا شيء بالنسبة لهم ليس لي ذكر او اعتبار. والدتي صامتة وأحيانا مؤيدة، فالبنت مهما فعلت فهي بنت.
وكأن البنت تهمة فضيعة ولتصقة بي ، صرت أحاول الفكاك منها والبراءة من فعلها ، أليس الله الذي خلقني وارادني أن اكون بنتا ؟ أم أن الله خلقكم من نور وخلق البنات من رجس؟ تعالى الله عن ذلك .
إن والدي لا يحبني بل لا يطيق رؤيتي حين اكون في المكان الذي هو فيه ، لا يلتفت إلي ولا يرد على حديثي ، وإذا دخل أحد إخوتي هش له وبش ووسع له في المكان وأجلسه بجانبه وبدأ يتجادب معه أطراف الحديث ويسأله عن أخباره .
ترى ما هي الجريمة التي ارتكبتها؟ وما الذنب الذي اقترفته يداي حتى أنبذ في عقر دارنا ؟ لا أعلم بما يحدث في شؤون البيت فضلا عن أستشار ، طلباتي دائما مؤجلة ومنسية وطلباتهم أوامر تنفذ على وجه السرعة ، أنا المخطئة دائما وأستحق ما يحصل لي ، الشكوى محرمة علي ، وفي الأماني منيتي حقي أن أصمت ثم أصمت حتى يتحجر لساني وتموت لغتي ، علي دائما أن اقول ( نعم ، حاضر ) حتى لأصغر اخوتي دون أن يؤد لي الإحسان او يكبر الجميل فهذا الشيء رغما عني لا حبا وكرامة .
علا صوت اخي ( حسين الصغير ) مجلجلا في أرجاء البيت ينادي أمي التي كانت في الخارج أسرعت في الإجابة ( نعم ، نعم ) صرخ في وجهي بعنف ( من ناداك يا ل.......) ثم هوى بكفه على صفحة وجهي فأنا لم أسرع في إجابة ندائه إلا لأسمع الضيف القابع في المجلس ، هكذا بكل بساطة حلل موقفي.
لقد مللت هذه الحياة في ظل الذل والقهر والقمع لست إنسانة لي كرامتي ، ولست خادما لي إنسانيتي ولست بشرا في حريتي .
فمن أكون وسط هذه الشوارب المفتولة والعضلات المشدودة.
أنا أي شيء إلا أن أكون آدمية كرمها الله سبحانه وتعالى ، اللهم اهد والدي فهو سبب هذا الوضع المزري الذي أنا فيه حتى أعتق من هذا الرق الجاهلي فأشد ما أخاف أن أزف يوما إلى شيء يقال له رجل دون أن يكون لي رأي ، وهو في حقيقته ظل لذلك اجاهلي الذي يئد البنات ليتخلص من عارهن فهذا وأد وذاك وأد ولكن أحدهما مغلف ومخفي وهو ما أعيش فيه .
" ابنتكم "
قال تعالى يحكي عن حال أهل الجاهلية :(( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم )) النحل 58