جاء الإسلام دينا شاملا متوازنا ، جاء ينظم شؤون الدنيا والآخرة ، ويعنى بحياة الفرد والمجتمع ، يهتم بشأن الفرد في جسمه وروحه وعقله ، لأنه يريد المسلم القوي في جسمه ، القوي في عقله ، القوي في روحه وإيمانه .
إذا كانت هناك بعض الأديان لاتهتم بالجسم الإنساني ، ولاتهتم إلا بالروح ــ بل بعضها يقوم على تعذيب البدن لتصفو الروح وترقى وتحرم على الجسد الطيبات من الرزق ومن زينة الله ــ فإن الإسلام يعارض هذه الوجهة ويقول : " يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين ، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق .. "
جاء الإسلام يعنى بالجسم الإنساني وسمع الناس لأول مرة في جو الدين هذه الكلمة النبوية : ((فإن لجسدك عليك حقا )) من حق جسدك عليك أن تقويه إذاضعف ، أن تطعمه إذا جاع ، أن تسقيه إذا ظمئ ، أن تنظفه إذا اتسخ ، أن تريحه إذا تعب ، أن تعالجه إذا مرض ، بل أن تقيه مااستطعت من الأمراض .
هكذا أراد الإسلام أن ينشئ أمة قوية ، ولا يمكن أن تكون الأمة قوية إلا إذا كان أفرادها أقوياء ، فمن الأفراد يتكون المجتمع ، كما يتكون البناء من اللبنات .
جاء الإسلام كذلك ليربي الإنسا ن على المرونة والقدرة على الحركة والسرعة ، أن يكون الإنسان ذا جسم مرن متحرك قادر على أداء الواجبات الدينية والدنيوية وماأكثرها . أوجب علينا الإسلام واجبات دينية متنوعة : أوجب علينا الصلوات الخمس ، يصليها الإنسان مااستطاع في المسجد ، يغالب الكسل ، يغالب النوم والهوى ، ويذهب إلى المسجد ويصلي ، هذه أمور تحتاج إلى قدرة جسمية ، وصوم رمضان من كل عام هو لون من الجوع الإجباري ، وهو يحتاج أيضا إلى قوة جسمية ، وفي الحج : الإنسان كأنه كشاف أوجوال ينتقل هنا وهناك .. هذا يحتاج إلى قوة جسمية .
ولذلكم كان النبي صلى الله عليه وسلم قوي الجسم صحيح البدن ، وصارع رجلا عرف بالمصارعة إسمه : ركانة فصرعه .. كما كان في الصحابة العداؤون والراكضون وكلهم كانوا يتقنون الفروسية وركوب الخيل ورمي السهام ، وكانوا يمارسون أنواعا من الرياضة ، إستعدادا لما هو أبقى وأرقى لهذه الأمة .
لم يكن في الصحابة مثل هؤلاء المتدينين المتماوتين . رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رجلا متماوتا في صلاته ، فقال له : ياهذا إرفع رأسك ، فإن الخشوع في القلوب لافي الرقاب . ورأت إحدى الصحابيات بعض الشباب يمشون متهاونين متهالكين متماوتين ، فسألت من هؤلاء ؟ قالوا : هؤلاء نساك (أي عباد ) قالت : كان عمر إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع وكان هو الناسك حقا .
لذلك أحببت أن أدعو إخواني وأخواتي من هذا المنتدى المبارك أن يأخذوا من أسباب القوة مايعينهم على أداء واجباتهم الدينية والدنيوية وأن يأخذوا وقتا معينا يمارسون فيه نوعا من الرياضة ، شريطة أن لاتصرفه عن ذكر الله وعن الصلاة ، كما لامانع أن تمارس الأخت المسلمة نوعا من الرياضة بضوابطها الشرعية ، وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة رضي الله عنها فسبقته ، وفي المرة الثانية سبقها فقال لها على سبيل المداعبة : هذه بتلك . فالمرأة المطلوبة في الإسلام هي المرأة القوية في جسمها ، القادرة على خدمة بيتها وخدمة زوجها وخدمة أولادها وخدمة مجتمعها وخدمة دينها وأداء رسالتها الكبرى .
إن عناية الإسلام بالصحة والنظافة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية ، فهو يتطلب أجساما قوية تجري في عروقها دماء العافية ، ويمتلئ أصحابها نشاطا وفتوة وجمالا ، فإن الأجسام المهزولة لاتطيق عملا ، والأيادي المرتعشة لاتقدم خيرا ، وللجسم الصحيح أثر فعال لافي سلامة التفكير فحسب بل في تفاؤل الإنسان مع الحياة والناس ، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول :
(( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، إحرص على ماينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، ولا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ))
أسأل الله لي ولكم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، وأن يقوي عزائمنا على عمل الخير وخير العمل . آمين .