الربانية في القرآن الكريم :
وردت كلمة (الربانيون) في القرآن الكريم ثلاث مرات ، بلفظ ( ربانيون ) ، ومرة بلفظ ( ربيون ) .
أ- الآية الأولى في سورة آ ل عمران (79) حيث يقول تبارك وتعالى : ]مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتَابَوَالْحُكْمَوَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللَّهِوَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَوَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [ .
ب - والآية الثانية أيضا في سورة آل عمران (146: 148) وفيها يقول الله تبارك وتعالى : ]وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَاوَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِوَمَا ضَعُفُواوَمَا اسْتَكَانُواوَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَاوَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَاوَثَبِّتْ أَقْدَامَنَاوَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَاوَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِوَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [ .
ويقول بعض العلماء : الرباني منسوب إلى الرَّبَّان ، والرَّبَّان : هو الذي يقوم على أمر الناس ويصلحهم ، ويُسمَّى قائدُ السفينة الذي يتجنب بها الأهوال والأمواج والأنواء والعواصف ويسلك بها سبيلَ النجاة حتى تبلغ مرادها - يسمى رَبَّانا ، وليس كل راكب في السفينة بقادرٍ على أن يجنبها هذه الأهوال ، إنما الذي يعلم حقائق القيادة وواقع الأمر هو الذي يعرف كيف يميل بها بعيدا عن أسباب الفساد حتى ينجو بمن معه .
فالربانيُّ إذاً عبدٌ عرف كيف يقود الناس إلى الله لينجوَ هو ومَن معه ، وليتجنب صدمات الشيطان ، ولذلك يقال عمن يصلح شخصا أو شيئا إنه يَرُبُّه ، ففي الحديث الصحيح : أن رجلا زار أخاً له في الله في قرية ، فأرصد الله له على مَدْرَجته (يعني على طريقه) ملَكا ، فقال : يا فلان إلى أين تعمِد - أو تقصد - قٌال : إلى قرية كذا ، أزور أخاً لي في الله ، قال : وهل له - أو لك - من نعمة تربُّها عليه ( يعنى تصلحها له ) قال: لا ، غير أني أحببته في الله تعالى ، قال : فإن الله تعالى أرسلني إليك يعلمك أنه يحبك كما أحببته.
وقال بعض العلماء : الربانية من التربية ، فلا يكون العبد ربانيّاً إلا حين يكون له ممارسة في تربية نفسه وتربية غيره ، قال ابن عباس : الربانيون : الحكماءُ الفقهاء . وقال الحسن البصرى : الرباني : الذي يُربي الناسَ بصغار العلم قبل كباره . فالرباني إذن له دور في عملية التربية والإحياء والإصلاح ، يربي الناس بالعلم ، وينقلهم من واقعهم إلى الواقع الأفضل ، ويدعوهم إلى الأحسن والأجمل ، الذي ينفعهم في حياتهم وآخرتهم .
وقال ابن مسعود : الربيون : الألوف الكثيرة . فلا يكون ربانياً مَنْ لم يَضَعْ يده في يد غيره من الصالحين من عباد الله ليكونوا جميعا ربانيين ، لا يكون المنعزل ربانيا ، بل الربيون الجماعات الكثيرة ، ويرى بعض علماء اللغة العربية أن الِّرِّبي عشرة آلاف ، فإذا قال الله : (معه ربيون كثير) فهذا يعنى أن الذين يسيرون مع الأنبياء ينبغي أن يكونوا كثرة كثيرة .
هذه المعاني كلها صحيحة ، والرباني في الحقيقة هو الذي يتعلم أمر الله ونهيه ويعرف شرع الله ووحيه ، فيطبقه في ذات نفسه ، ويدعو غيره إليه ، ويقوم بعملية الإصلاح في حياة الناس ، لما فيه خير الناس في عاجلهم وآجلهم .