كل الإجراءات الأمنية التى سبقت ورافقت وصول الرئيس الأميركى جورج بوش إلى بغداد، فى زيارته الرابعة والوداعية، لم تحل دون إهانته فى عاصمة الرشيد التى دمّرها جيشه واحتلها: حذاءان يرميهما صحافى عراقى مع عبارة "هذه قبلة الوداع أيها الكلب" فى وجه بوش.
كان هذا لا شك أفضل وداع بالنسبة إلى ملايين العراقيين الذين أثلجت قلوبهم، لكن لا بدّ أنهم حزنوا عندما رأوا رئيس حكومتهم نورى المالكى يرمى نفسه أمام ضيفه لحمايته من الحذاءين اللذين لم يصيباه أصلاً!
أراد مراسل قناة "البغدادية" العراقية منتظر الزيدى أن يقدم للرئيس الأميركى هدية وداعية نيابة عن ملايين العراقيين. الزيدى الذى دون شك ينزف الآن فى أحد المعتقلات الأميركية البائسة فى بغداد، يتعرض حتماً لتعذيب قاسٍ فى "أبو غريب" أو معتقل آخر مماثل.
إن حركة إلقاء الحذاء برمزيتها توجه إلى الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما رسالة دقيقة تقول له فيها إن سياستها تجاه الوطن العربى يجب أن تتحدد من الآن على ضوء هذه الحركة، فإذا سار على درب بوش وخضع لقبضة المحافظين الجدد فسينتهى إلى ما انتهى إليه من نهاية مذلة له ولأمريكا..
وإذا غيّر الأسلوب وتحرر من قبضة اللوبى الصهيوني، واقترب من قضايا العرب وعاملها بحكمة واعتدال وعقلانية، فإن التاريخ سيفتح له بابا آخر، هو باب الاحترام والتقدير، ولأمريكا باب الصداقة مع الشعب العربى وحركاته الوطنية، بدلا من الكراهية والعداء وتحيّن الفرص لإهانتها والمس من سمعتها ومصالحها.
مطلوب من العراقيين والعرب وكل الإعلاميين فى الوطن العربى والعالم العمل للإفراج عنه فوراً وإنقاذه من الأيدى المجرمة التى ستعمل على تصفيته حتماً، إذا لم تحصل ضغوط عربية ودولية كبيرة لتحريره قبل فوات الأوان.
لقد أوضح بوش خلال توقيعه الاتفاقية الأمنية مع المالكى إلى أين تأخذ هذه الاتفاقية العراق؛ إنها "تمهد للمضيّ قدماً من أجل مساعدة العراقيين ليلمسوا نعمة المجتمعات الحرّة"، إننا، إذن نسير نحو تلك النِعَم، وهذا المسير، بحسب بوش نفسه، مدخل إلى تحقيق "الانتصار" فى "حرب لم تنتهِ بعد"؛ لكن الرئيس العراقى جلال الطالبانى أكثر تفاؤلاً ممّن نصّبه رئيساً؛ بالنسبة إليه "النِّعم وصلت ولسنا فى طريقنا إليها...".
أمام هذا التحوّل التاريخي، وعلى مرمى حجر من "الانتصار" من تراه يسأل عن الضحايا؟ إنهم وقود التقدم، وسائل للحصول على النِّعم، انظروا إلى العراق، لن تتمكنوا من رؤيته؛ إنه يغرق ويغرق بالنِّعم: ديمقراطية، حقوق الإنسان، وسوق حرّة أيضاً.
بالرغم من كل ذلك لا تبدو على وجوه العراقيين هيئة النِّعم، لا نعمة "أبو غريب"، ولا نعمة الكوليرا، ولا نعمة النهب المنظّم، ولا نعمة السيارات المفخخة، ولا نعمة الجوع، ولا نعمة الخراب... ولكن، مهلاً، قائد مسيرة الاحتلال كان دقيقاً: إننا نمضى قدماً نحو نعمة المجتمعات الحرّة، ولم نصل بعد.. لبلوغ النهاية لا بد من ضحايا جُدد، لا بدّ من تعذيب أكثر، وقتل أكثر، وخراب أكثر.
إنها "قبلة الوداع يا كلب" قال الصحافى العراقي، جملة ستجرح شعور "أصدقاء أميركا" المستفيدين من الغزو والاحتلال وعمليات نهب ثروات العراق وخيراته، لكنها جملة ستُردَّد أكثر من مرة، وسيأتى يوم يقال فيه لآخر جندى أميركى يغادر أرض العراق ما قاله الصحافى العراقي.
أنقذوا حياة الصحافى الوطنى الشجاع منتظر الزيدى الذى كتب بحذائه نهاية حقبة قاتمة. إنقاذه واجب وطنى وقومي.
الأحد 21 ديسمبر 2008 - 1:16
