نتابع بحول الله
الحَلق والتقصير أ- الحلق: إزالة الشعر بالموسى من الرأس.
والتقصير: أخذ جزء من الشعر بالمقص ونحوه.
كان العرب يطلقون شعرهم لا يحلقونه ولا يقصرونه، فأمر الله الحاج والمعتمر بحلق شعر الرأس أو تقصيره.
ب- وقد اتفق جماهير العلماء على أن الحلقَ نُسُك يُتَعَبَّد به في الحج والعمرة، واتفقوا على أنه لا يجزئ أخذ شعر غير الرأس.
ومذهب الحنفية والمالكية والحنابلة أنه واجب من واجبات الحج.
ومن أدلتهم:
1) قوله تعالى:
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ}
[الفتح: 27].
وجه الاستدلال: أن الآية وإن كانت خبراً ووعداً من الله، فلابد من إيجابه عليهم ليتحقق وعده تعالى.
2) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما ،طوفوا بالبيتِ، وبالصفا والمروة، ثم يَحِلُّوا ويَحْلِقوا أو يُقَص في المشهور عنه الراجح في المذهب إلى أن الحلق ركن في الحج، لتوقف التحلل عليه، مع عدم جبره بالدم في مذهبه فصار كالطواف.
القدار الواجب في الحلق والتقصير.اختلف الأئمة في القدر الذي يجزئ حلقه أو تقصيره من شعر الرأس:
ذهب الحنفية إلى أنه يكفي في أداء الواجب حلقُ ربع الرأس أو تقصيره، مع الكراهة لتركه السنة، وهي حلق جميع الرأس أو تقصيره.
ذهب الشافعية إلى أنه: يكفي إزالة ثلاث شعرات أو تقصيرها، لقوله تعالى:
{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ..}
فإنّ معناه شعر رؤوسكم، والشعر يصدق بالثلاث، لأنه اسم جميع.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أنَّ الواجب حلق جميع الرأس أو تقصيره، وذلك إشارة إلى طلب تحليق الرؤوس أو تقصيرها، ولفعله عليه الصلاة والسلام، فإنه استوعب رأسه بالحلق.
2) أما التقصير فأقله "أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة، أي طرفٍ من رأس الإصبع (نحو ربع سنتمتر) للمساحة التي ذكرناها من الرأس في كل مذهب.
3) وقد اتفق العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير للرجال، لتقديم ذكر المحلِّقين في الآية.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"اللهمَّ ارحمِ المحلقين"
قالوا:
"والمقصِّرينَ يا رسولَ الله"
قال:
"اللهم ارحم المحلقين"
قالوا:
"والمقصرين يا رسول الله".
قال: "والمقصرين"
متفق عليه.
4) حكم النساء في الحلق: أجمع الفقهاء أن لا حلق على النساء، إنما عليهن التقصير، ويكره لهن الحلق، لأنه بدعة في حقهن وفيه مُثْلَةٌ.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليسَ على النساءِ حَلْقٌ إنما على النساءِ التَّقْصِير" أخرجه أبو داود بسند حسن.
5) الأصلع الذي لا شعر على رأسه:
ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يجب عليه إجراء الموسى على رأسه لأن الواجب شيئان: إجراؤه، مع الإزالة، فما عجز عنه سقط، دون ما لم يعجز عنه.
وذهب الشافعية والحنابلة وقول لبعض الحنفية إلى أن استحباب ذلك لفوات ما تعلق به الواجب وهو الشعر.
توقيت الحلق والتقصير: 1) زمان الحلق:
ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن زمان الحلق يختص الحلق بأيام النحر (10، 11، 12 من ذي الحجة)، فلو أخره عنها يجب بتأخيره دم عندهم. وهذا وقت وجوب الأداء، ولا آخر له في حق التحلل، أي خروجه من إحرامه فيظل محرماً حتى يحلق أو يقصر مهما تأخر عند الحنفية.
أما عند مالك فالتحلل يكون بالرمي.
وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه لا آخر لوقت الحلق، كما أنه لا آخرَ لوقت طواف الزيارة، لأن الأصل عدم التأقيت فلو أخر الحلق لا يجب عليه دم، إلا أن الشافعي وقَّت ابتداء الحلق بمنتصف ليلة النحر، قياساً على الرمي.
2) مكان الحلق:
ذهب أبو حنيفة إلى أن مكان الحلق مؤقت بالحرم، فإنْ حَلَقَ أو قصر في أيام النحر في غير الحرم حصل التحلل، وعليه دم سواء في ذلك حلق الحج أو العمرة.
وذهب الشافعي ومالك إلى أن الحلق غير مختص بالحرم، لكن الأفضل فعله في منى، فلو فعله في موضع آخر مثل وَطَنِه أو غيرِه جاز، لحج أو لعمرة، ولا شيء عليه، ولا يحل حتى يحلق.
3) ترتيب الحلق مع أعمال يوم النحر:
يفعل الحاج بمنى يوم النحر ثلاثة على هذا الترتيب : رمي، فنحر، فحلق.
وترتيب الحلق أن يفعله بعد الرمي والذبح، إنْ كان متمتعاً أو قارنا كما رتب النبي صلى الله عليه وسلم، أما المفرد فإنه يحلق بعد الرمي فقط لأنه لا ذبح عليه.
عن أنس رضي الله عنه :
"أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى، فدعا بِذِبْحٍ فَذَبَحَ، ثم دعا بالحلاق، فأخذ بشق رأسه الأيمن، فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه".
أخرجه مسلم.
واختلف المذاهب في حكم الترتيب:
ذهب الحنفية إلى أنه يجب مراعاة الترتيب، فيجب عندهم الدم فداء عن التأخير، كما إذا حلق قبل الرمي، أو نحر القارن قبل الرمي، وكالحلق قبل الذبح.
وذهب الشافعي إلى أن الترتيب سنة، لو تركه أساء وليس عليه فداء.
وذهب المالكية إلى أنَّ الواجب في الترتيب: تقديم الرمي على الحلق وعلى طواف الإفاضة، ولا يجب غير ذلك من الترتيب، بل هو سنة.
ويتفرع على مذهب المالكية أنه يجب الدم على من أخل بالترتيب في صورتين :
1) أن يحلق قبل الرمي.
2) أن يطوف للإفاضة قبل الرمي أيضاً.
ولا يجب الدم على من أخلَّ بالترتيب في الصور الآتية.
1) إذا حلق قبل الذبح.
2) إذا ذبح قبل الرمي.
3) إذا طاف طواف الإفاضة قبل الذبح أو قبل الحلق أو قلبهما معاً.
حكم الحلق أي أثره وهو:
التحلل الأول:
يحصل بالحلق التحلُّلُ الأول أن الأصغر، فيصير الحاج حلالاً، تُباحُ له محرماتُ الإحرام من اللبس، وإزالة التفث والصيد - في غير الحَرَم - والطيب وغير ذلك، إلا الجماع، فإنه يظل محرماً عليه حتى يطوف طواف الإفاضة. وكذا الجماع فيما دون الفرج عند الحنفية، لأن فيه قضاء الشهوة وحّرم المالكية الصيد وعقد النكاح أيضاً وكرهوا الطيب لأنه من دواعي الجماع لكن لا فدية فيه.
والأصل فيه قول عائشة رضي الله عنها : "كنتُ أُطَيِّبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حينَ يُحْرِم، ولِحِله قبل أنْ يطوف بالبيت بطيب فيه مسك" متفق عليه.
ذهب الحنفية إلى أنَّه التحلل الأول لا يحصل إلا بالحلق، فلو رمى وذبح وطاف ولم يحلق لم يتحلل عندهم.
استدلوا بأن "التحلل من العبادة هو الخروج منها، ولا يكون ذلك بركنها، بل إما بمنافيها، أو بما هو محظور فيها، وهو أقل ما يكون".
وذهب الشافعي إلى أنه يحصل التحلل الأول إذا فعل اثنين من الرمي والحلق وطواف الزيارة، أي المسبوق بالسعي من قبل، وإلا فلا يحل حتى يسعى بعد طواف الزيارة. فجعل الرمي من أسباب التحلل، وهذا على المشهور عندهم من أن الحلق نسك. والمفرد والمتمتع والقارن في أسباب التحلل هذه وترتيبها على حد سواء. لأن الذبح لا مدخل له في التحلل عند الشافعية. استدلوا بحديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : "إذا رميتم الجمرةَ فقد حلَّ لكم كُّل شيء إلا النساءَ.." أخرجه النسائي وابن ماجه هكذا موقوفاً. وثبت عن بعض الصحابة نحو ذلك من قوله أيضاً.
وذهب مالك وأحمد إلى أن التحلل الأول برمي جمرة العقبة وحده.
التحلل الثاني :
ويسمى التحلل الأكبر، وتِحل به كل محظورات الإحرام حتى النساء، إجماعاً.
ذهب الحنفية إلى أنه يحصل هذا التحلل بطواف الإفاضة عند الحنفية، ولا يتوقف الإحلال على السعي، لأنه من الواجبات عندهم. وقد علمت أن الحنفية علقوا التحلل بالحلق فلو تقدم الطواف على الحلق لم يحل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يحصل عندهم التحلل الأكبر بتكميل فعل الثلاثة : جمرة العقبة، والحلق والطواف. إذا كان سعى بعد طواف القدوم، أما إذا لم يسع بعد طواف القدوم فلا بُدَّ من السعي بعد طواف الإفاضة حتى يتحلل التحلل الثاني (الأكبر).
وذهب المالكية إلى أنه يحصل التحلل الأكبر عندهم بطواف الإفاضة لمن حلق ورمى جمرة العقبة قبل الإفاضة، أو فات وقتها عليه وذلك بشرط السعي أيضاً.
وحصول التحلل الأكبر باستيفاء الأربعة : رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق وطواف الإفاضة بشرط السعي موضع إجماع أئمة المسلمين لا خلاف فيه بينهم. لكن يجب عليه فعل بقية أعمال الحج، إن كان حلالاً.
و يتبع بحول الله